المسألة الثانية: جهة الإنفاق إذا كان الوقف على جهة عامة:
على قولين: إذا كان الوقف على جهة عامة كالمساجد، والمدارس، والثغور، والآبار، ونحو ذلك، فاحتاجت إلى عمارة، فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جهة عمارة هذه الأوقاف
القول الأول: وجوب عمارتها من الغلة، فإن لم يمكن فمن بيت المال.
وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية.
ونص المالكية: أنه إذا وجد متطوع قدم على بيت المال.
القول الثاني: أنه تجب عمارتها في بيت المال، فإن تعذر فمن غلته، فإن تعذر بيع.
وهو مذهب الحنابلة.
الأدلة:
أدلة الرأي الأول:
(244) 1 - ما رواه البخاري من طريق ومسلم عن سعيد بن جبير، رضي الله عنهما قال: ابن عباس . بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته ، فوقصته أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين أو قال : ثوبيه»
[ ص: 357 ] فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤنة في مال المتوفى، فكذا عمارة الوقف إذا كان له غلة.
2 - حديث سهل بن أبي حثمة: عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر، من جهد أصابهم، فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير أو عين، فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه، قالوا: ما قتلناه والله ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب» ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم به، فكتبوا : ما قتلناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : «أتحلفون، وتستحقون دم صاحبكم؟» ، قالوا: لا، قال: «أفتحلف لكم يهود؟» ، قالوا : ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة حتى أدخلت الدار، قال سهل : فركضتني منها ناقة» . «أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه : أن
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية في بيت المال، فكذا عمارة الوقف; إذ كل من المصالح.
3 - حديث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة . «الخراج بالضمان»
وجه الدلالة: دل الحديث على أن من له خراج شيء أي: غلته، فعليه ضمانه، ومن ذلك عمارته.
4 - أنه إذا لم يكن غلة فمن بيت المال; لأن مصرف بيت المال المصالح.
5 - ولأنه من حاجة المسلمين، فكان من بيت المال.
[ ص: 358 ] دليل القول الثاني: (تجب العمارة في بيت المال، فإن تعذر فمن غلته) :
استدل لهذا الرأي: بما تقدم من الدليل الثاني والثالث للرأي الأول.
ونوقش: بالتسليم، لكن إن كان له غلة فلما تقدم من دليل الرأي الأول.