الأدلة:
أدلة القول الأول: (أربعون دارا) :
(239) 1 - ما رواه أبو يعلى من طريق عبد السلام بن أبي الجنوب، عن أبي سلمة، عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة . «حق الجوار أربعون دارا هكذا هكذا وهكذا، يمينا وشمالا، وقداما وخلفا»
[ ص: 300 ] وجه الاستدلال: أنه هذا الحديث نص على أن أربعون دارا من كل جانب، والنص لا يجوز العدول عنه. حد الجوار
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الحديث لو صح لكان فيصلا في المسألة، ولما دام كذلك فيسقط به الاستدلال.
(240) 2 - ما رواه في الكبير من طريق الطبراني يوسف بن السفر، عن عن الأوزاعي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: . [ ص: 301 ] وجه الاستدلال: أن الحديث نص على أن أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله إني نزلت في محلة بني فلان، وإن أشدهم لي أذى أقدمهم لي جوارا، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا يأتون المسجد فيقومون على بابه، فيصيحون: ألا إن أربعين دارا جار، ولا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه» الجيرة أربعون دارا.
ونوقش الاستدلال بهذا الحديث: هذا الحديث كالحديث السابق لا تنهض به حجة لضعفه.
واستدلوا للقول الثاني بما يلي:
(240) 1 - ما رواه من طريق البخاري عمرو بن الشريد، عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: . «الجار أحق بسقبه»
وجه الاستدلال بهذا الحديث: أنه قد جاء لبيان حق الشفعة، وهي لا تثبت لأحد من الجيران إلا للملاصق، فدل على أنه هو المقصود بالجار.
وأجيب عن هذا الاستدلال: بأنه قد ورد تفسير (الجار) هنا بالشريك، وبالتالي فلا يختص الجار في هذا الحديث بالملاصق.
2 - أن انصراف الجار إلى الملاصق فقط هو مقتضى القياس، فتحمل عليه النصوص الواردة في الموضوع، فإن الجار من المجورة وهي الملاصقة حقيقة، والاتصال بين الملكين بلا حائل بينهما، فأما مع الحائل فلا يكون مجاورا حقيقة، ولهذا ثبتت الشفعة للجار الملاصق دون غيره; لأنه ليس بجار حقيقة.
وأجيب: بأن استعمال الجار لغير الملاصق ثابت في النصوص الشرعية، وبالتالي فلا يختص معنى الجار بالملاصقة.
[ ص: 302 ] وأما قولهم عن فهذه مسألة خلافية. الشفعة تثبت للجار الملاصق دون غيره،
3 - أنه يترتب على الجوار حقوق يلزم أداؤها للجار، ولما كان متعذرا صرفها لكل من يطلق عليه اسم الجار لغة، فإن مسمى الجار الشرعي يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق.
وقد أجيب عن هذا الدليل: بأنه لا يلزم من تعذر صرفه إلى الجميع تعذر صرفه إلى بعض الجيران غير الملاصقين كأهل مسجد المحلة الواحدة، فإنهم جيران للمسجد وإن لم يكونوا ملاصقين له.