أدلة القول الثاني: (عدم صحة : الوقف المنقطع الآخر)
استدل لهذا القول بالأدلة التالية:
(202) 1 - رواه البخاري من طريق ومسلم عن القاسم بن محمد، رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائشة . «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»
وفي رواية: . «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»
2 - ما تقدم من أدلة مشروعية الوقف.
وجه الدلالة: أن الوقف لم يرد في الشرع إلا مؤبدا، والمنقطع غير مؤبد.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: الوقف لم يرد في الشرع إلا مؤبدا غير مسلم، كما تقدم في شروط صحة الوقف، وأنه يصح كون الوقف مؤقتا.
الثاني: أن انقطاع مصرف الوقف لا يلزم منه انقطاع الوقف، بل يبقى الوقف، ويصرف لمن بعد الجهة المنقطعة، كما سيأتي بيانه.
[ ص: 144 ] 3 - أن أوقاف الصحابة إن لم يكن فيها انقطاع، وما كان فيه انقطاع يكون على خلاف سنة الوقف فيبطل.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: عدم التسليم، فقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم، وقف الحيوان، ومآله إلى الانقطاع.
الثاني: أن انقطاع جهة الصرف التي عينها الواقف لا يلزم منه انقطاع الوقف، فيصرف لمن بعد الجهة المنقطعة.
4 - أن مقتضى الوقف التأبيد، فإذا كان منقطعا صار وقفا على مجهول، فلم يصح، كما لو وقف على مجهول في الابتداء.
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يسلم عدم صحة الوقف على المجهول ابتداء، كما تقدم بيانه في شروط الموقوف عليه.
الوجه الثاني: أن الوقف المنقطع الآخر لا يكون وقفا على مجهول; إذ مآله إلى العلم لكونه يصرف لمن بعده.
5 - أنه يلزم منه توقيت الوقف، فكان مبطلا له; لأنه ينافي موجبه كالتوقيت في البيع.
ونوقش: بما تقدم في مناقشة الدليل الأول.
6 - أن المقصود بالوقف إيصال الثواب على الدوام حتى يتميز عن العواري، ولا يحصل هذا مع الانقطاع. [ ص: 145 ] ونوقش هذا الاستدلال: بعدم اشتراط الدوام فيصح الوقف المؤقت كما تقدم في شروط صحة الوقف.
الترجيح:
الراجح - والله أعلم - هو القول بصحة الوقف المنقطع الآخر; إذ الأصل صحة الوقف، وللإجابة على أدلة المانعين من صحته.
ولأن في القول بالصحة استدامة للوقف بآثاره العظيمة.
* * *