المطلب الثاني
مشروعيتها، وشروطها
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في ذلك على قولين:
القول الأول: أنها مشروعة عند ضيق الثلث، أو التركة عن الوفاء بجميع الوصايا، باتفاق الأئمة الأربعة.
القول الثاني: لا محاصة في الوصايا، ويجب البدء بالأول فالأول حتى يتم الثلث، فإذا تم بطل باقي الوصايا.
[ ص: 349 ] إلا في حالة الإجمال فتجري المحاصة.
فيبدأ بالأول فالأول بحسب صدورها من الموصي، فإذا تم الثلث بطل ما زاد عليه، ولا يحل ولا ينظر في ذلك إلى أهم ولا مهم.
وهو مذهب الظاهرية ، بناء على أصلهم من منع الوصية بأكثر من الثلث.
فإذا أوصى شخص بثلث ماله أو ما يساويه من الأعيان، ثم أوصى لآخر بربع ماله، أو ما يساويه، أخذ الموصى له بالثلث ثلثه، ولا شيء للموصى له بالربع; لاستغراق الوصية الأولى الثلث، وبطلان ما زاد على الثلث عندهم، وإذا أوصى أولا لصاحب الربع، فإن صاحب الربع يأخذ ربعه كاملا، ويعطى للموصى له بالثلث بقية الثلث.
الأدلة:
دليل الجمهور:
1 - عموم أدلة الوصايا.
2 - القياس على الديون إذا كانت أكثر من مال المدين.
3 - القياس على المواريث إذا زادت الفروض على المسألة، فإنه يدخله العول بالإجماع.
4 - أن الوصايا تبرع بعد موت، والموت يأتي دفعة واحدة، فلا يقدم بعضه على بعض، فتدخلها المحاصة.
ودليل الظاهرية : ظاهر حديث سعد -رضي الله عنه-: . الثلث، والثلث كثير
ونوقش هذا الاستدلال: بأن المراد بالحديث مجموع الوصايا لا يتجاوز الثلث ; لأدلة القول الأول.
[ ص: 350 ] الترجيح:
الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم; إذ الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، ولأنها مبنية على العدل.
وبالنسبة لشروطها، فإن هناك شروطا أربعة:
الشرط الأول: تجاوز الوصايا الثلث، وضيقه عن استيعابها، فإن حملها الثلث، فلكل واحد وصيته، ولا حاجة للمحاصة حينئذ.
الشرط الثاني: ألا يجيزها الورثة ، فإن أجازها الورثة فلا محاصة أيضا، إذا لم تتجاوز المال.
مثل: الوصية لواحد بالنصف، ولآخر بالربع، ولثالث بالثمن، فإن المال يقسم على ثمانية، لصاحب النصف أربعة، ولصاحب الربع اثنان، ولصاحب الثمن واحد، ويبقى واحد للورثة.
مثال ثان: إذا أوصى بنصف لشخص، ولآخر بثلث، ولثالث بسدس، فإن المال يقسم على ستة، لصاحب النصف ثلاثة، ولصاحب الثلث اثنان، ولصاحب السدس واحد، ولا محاصة لحمل المال لجميع الوصايا.