واعلم أن الأصوليين مصرحون بأن جمع السلامة للتكثير ، كالمؤمنين والكافرين ، وقسم وغيره من النحويين الجمع إلى قسمين : جمع سلامة وهو للتقليل للعشرة فما دونها ، وجمع تكسير ، وهو نوعان : ما هو للقلة ، وهي أربع صيغ : أفعال وأفعل وأفعلة وفعلة ، والباقي للتكثير . سيبويه
إذا عرف هذا فقد استشكل كيف يجتمع العموم مع جمع القلة ، والأول يستغرق الأفراد والثاني لا يستغرق العشرة وجمع بينهما بوجوه :
أحدهما : أن العموم يجمع ما لا يتجاوز الواحد ، فاجتماع العموم مع ما لا يتجاوز العشرة أولى ، فإذا قلت : أكرم الزيدين ، فمعناه أكرم كل واحد مجتمع مع تسعة ، أو دونها إلى اثنين بخلاف أكرم الرجال ، فمعناه أكرم كل واحد منهم منضم إلى عشرة فأكثر . [ ص: 122 ]
الثاني : أن العموم في نحو المؤمنين والمشركين من المنقولات الشرعية التي تصرف الشارع فيها بالنقل ، كما في الصلاة والحج والصوم ونحوها ، فحيث جاء ذكر المؤمنين والكافرين ونحوه في الكتاب والسنة ، كان المراد به العموم تصرفا من الشارع فيه ، وإن لم يكن ذلك مقتضى العموم لغة ، ذكره الغزالي في " المنخول " ، وحكاه المازري عن بعض من عاصره ، ثم ضعفه بأنه لا دليل يدل على هذا التصرف ، ولا ضرورة تدعو إليه .
الثالث : ذكره الغزالي أيضا أن يكون كما قال من أن كل اسم لا تستمر سيبويه العرب فيه بصيغة الكثير ، فصيغة التقليل فيه محمولة على التكثير أيضا ، لكثرة الفائدة ، كقولهم : في جمع رجل أرجل ، فهو للتكثير .
الرابع : قال إمام الحرمين : يحمل كلام على ما إذا كان منكرا وكلام الأصوليين على ما إذا كان معرفا بأل ، ووجهه بأن اسم العلم إذا ثني أو جمع ولم يعرف باللام ، كان نكرة بالاتفاق ، وزالت عنه العلمية ، وإنما يفيد مفاد العلم إذا عرف بالألف واللام كالزيدين والزيود ، فموضوع الجمع إذا لم يعرف أنه لا يفيد الاستيعاب ، كما في قوله تعالى : { سيبويه وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم } ، بخلاف حالة التعريف ، ويشهد له قول الفارسي وابن مالك بأن جمعي التصحيح للقلة ما لم يقترن بأل التي للاستغراق ، أو يضاف إلى ما يدل على الكثرة ، فإن اقترن صرف إلى الكثرة ، كقوله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات } ، وقوله { وهم في الغرفات آمنون } ، وقد جمع بين الألف واللام والإضافة حسان ( رضي الله عنه ) في قوله : [ ص: 123 ]
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
واعترض المازري والإبياري على إمام الحرمين في اتفاق الأصوليين على أن الجمع المعرف تعريف الجنس يفيد العموم ، ونقلا الخلاف فيه عن ، وهو غريب ، والظاهر أنه لم يثبت عنه ، وإنما نقل فيه عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني ، وقد سبق في كلام أبي هاشم ما يقتضي رفع الخلاف ، فكلام أبي الحسين الإمام إذن مستقيم .وقال بعض الجدليين : قد قيل إن جمع القلة لا يدل على الاستغراق ، وهو ما يكون على وزان الأفعال كالأبواب . أو الفعلة كالصبية ، قال : ولا يبعد أن يدل هذا على الاستغراق ، ولكن دلالته دون جمع الكثرة ، واعترض الأصفهاني شارح " المحصول " عليه بأنه يوهم أن المنكر لا خلاف فيه ، وليس كذلك .
الخامس : قال الإمام أيضا : إن جمع السلامة موضوع في العربية للقلة ، وقد يستعمل في الكثرة ، وكثر استعماله ، فنظر الأصوليين إلى غلبة الاستعمال ، ونظر النحويين إلى أصل الوضع ، فلا خلاف بينهم . وهذا الذي قاله الإمام نقله في " شرح الجمل " عن ابن الصائغ ، فقال : مذهب سيبويه أن جمعي السلامة للتقليل ، غير أن كثيرا من الأسماء لا سيما الصفات يقتصر منها على جمع السلامة ، ولذلك تستعمل في الكثرة أكثر من غيره ، كالمسلمات والمؤمنات . سيبويه
وزعم أنهما موضوعان للقليل والكثير ، فإنه مشترك بينهما لأنه يستعمل فيهما ، والأصل الحقيقة ، وقال صاحب " البسيط " [ ص: 124 ] من النحويين : إنه الحق ، وهذا أبلغ في تقوية مقالة ابن خروف الإمام ، وقد حكاه ابن القشيري في أصوله عن أيضا ، فإنه قال في قوله تعالى : { الزجاج واذكروا الله في أيام معدودات } وإن كان جمع السلامة فلا يدل على القلة : لقوله تعالى { وهم في الغرفات آمنون } قال ابن إياز : واستضعف ، لأن اللفظ إذا دار بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولى . قال : بل جمع السلامة مذكره ومؤنثه للقلة ، فإن استعمل في الكثرة فذلك اتساع .
وهاهنا أمران :
أحدهما : أن الجمع ينقسم إلى سالم وهو ما سلمت فيه بنية الواحد كالزيدين والهندات ، وقد سبق الكلام فيه ، وإلى ما لا يسلم كرجال ، وهو ضربان : جمع قلة ، وهو أربعة : أفعلة كأرغفة ، وأفعل كأبحر ، وفعلة كفتية ، وأفعال كأحمال ، ومدلوله من الثلاثة إلى العشرة ، ووقع في " البرهان " لما دون العشرة ، وتبعه ابن القشيري ، فقال : والذي أراه أنه يحمل على ما دون العشرة وهو تسعة ، لتصريحهم بأنه وضع لما دون العشرة ، ولم يخصوه بثلاثة أو اثنين .
والصواب الأول .
وقال صاحب " البسيط " من النحويين : قولهم : جمع القلة من الثلاثة إلى العشرة ، اختلف في العشرة ، فمنهم من جعلها من جمع القلة ، وهو قوله من أدخل ما بعد " إلى " فيما قبلها ، ولذلك يقال : عشرة أفلس ، ومنهم من جعلها أول جمع الكثرة ، والتسعة منتهى جمع القلة ، وهو قول من لم يدخل ، وأما تمييزها بجمع القلة فلقربها من جمع القلة .
قال تعالى : { عليها تسعة عشر } فجمع في هذين العددين أكثر القليل وأقل الكثير وما بعد العشرة كثير بالاتفاق . انتهى . وهذه فائدة .