[ مذاهب اقتناص الحد ] وفي ثلاثة مذاهب حكاها اقتناص الحد العبدري في " المستوفى في شرح المستصفى " . أحدها : وهو مذهب أفلاطون أنه يقتنص بالتقسيم بأن تأخذ جنسا من أجناس المحدود ، وتقسمه بفصوله الذاتية له ، ثم تنظر المحدود [ ص: 129 ] تحت أي فصل هو من تلك الفصول ؟ فإذا وجدته ضممت ذلك الفصل إلى الجنس الذي كنت أخذته . ثم تنظر فإن كان مساويا للمحدود فقد وجد جنس الحد وفصله ، وكمل الحد ، وإن لم يكن مساويا له علمت أن ذلك الجنس والفصل إنما هو حد لجنس المحدود لا للمحدود ، فتأخذ اسم ذلك الجنس بدل الحد المذكور ، وتقسمه أيضا إلى فصوله الذاتية ، ثم تنظر المحدود تحت أي فصل ؟ فتأخذه ، وتقسمه إلى ما تقدم من الجنس والفصل ، ثم تنظر هل هو مساو لفظا وحده أم لا ؟ فإن ساواه فقد تم الحد ، وإلا فعلت كما تقدم هكذا .
والثاني : في مذهب الحكيم أنه يقتنص بطريق التركيب ; لأنها عنده أقرب من طريق القسمة ، وهو أن تجمع الأوصاف التي تصلح أن تحمل على الشيء المحدود كلها ، ثم تنظر ما فيها ذاتي وما فيها عرضي ، فتطرح العرضي ، ثم ترجع إلى الذاتي فتأخذ منها المقول في جواب ما هو ؟ فتجمعها كلها ، ثم تطرح الأعم فالأعم حتى تنتهي إلى الجنس الأقرب ، ثم ترجع إلى الفصول فتجمعها أيضا كلها ، ثم تطرح الأبعد فالأبعد حتى تنتهي إلى الفصل القريب جدا ، وحينئذ فيكمل .
والثالث : مذهب بقراطيس أنه يقتنص بالبرهان وقد أبطلوه من وجهين : [ ص: 130 ] أحدهما : أنه إذا سلك في اقتناصه القسمة أو التركيب ، وكان لا يتوصل إليها إلا بعد تصفح جميع ذاتيات الشيء المطلوب وحده كان الحد المقتنص بهذا الطريق معلوما ، فأول العقل لا يحتاج إلى الدليل ، فإذن اقتناص الحد لا يحتاج إلى دليل . والثاني : أنه لا بد في طلب البرهان من وسط يحمل على المحكوم عليه على أنه حد له لا على أنه جنس له ولا فصل ، ويحمل عليه الحكم على أنه حد له أيضا . مثاله : أن يدعي أن حد العلم المعرفة ، فيقال لنا : وما الدليل عليه ؟ فلا بد أيضا من طلب وسط يحمل على العلم على أنه حد له ، وتحمل المعرفة عليه على أنها حد له أيضا وليكن ذلك الحد الاعتقاد . فنقول : لكل علم بالاعتقاد يؤخذ له على أنه حد ، وكل اعتقاد يؤخذ العلم له على أنه حد ، فالمعرفة تؤخذ له على أنها حد . فإذن كل علم فالمعرفة تؤخذ له على أنها حد ، فينازع في كل واحد من مقدمتي هذا الدليل ; لأنها حد ، ويطلب البرهان كما طلب على الحد الأول فيحتاج إلى أن يبينها بدليلين . فينازع أيضا في كل مقدمة من مقدمتي كل واحد من ذينك الدليلين . فإما أن يتسلل الأمر إلى غير نهاية ، وهو محال ، وإما أن يقف عند أمر بين بنفسه .