مسألة [ العبرة بالحقيقة ] إذا فالعبرة بالحقيقة بالاتفاق ; لأنها الأصل ولم يوجد ما يعارضه ، فوجب العمل به ، وإن كانا في الاستعمالين سواء ، فالعبرة بالحقيقة أيضا ، ومنهم من نقل الاتفاق وليس كذلك : بل حكى الخلاف فيه جماعة منهم كانت الحقيقة مستعملة ، والمجاز غير مستعمل ، أو كانا مستعملين ، والحقيقة أغلب استعمالا أبو يوسف في " الواضح " ، فقال : وأما إذا كان يفيد مجازا متعارفا وحقيقة متعارفة ، فقد اختلف فيه ، فقال أكثر المتكلمين : يجب حمله على الحقيقة ، وقيل : بل يحمل عليهما . وقال صاحب " المصادر " : ، كقوله : لا أشرب من هذا النهر ، فحقيقته العرفية الكرع ، ومجازه أن يغترف منه فيشرب ، فذهب بعضهم إلى وجوب حمله على الحقيقة لقوتها وآخرون إلى أنه لا يجب . القول إذا كانت له حقيقة متعارفة فيه ومجاز متعارف
[ ص: 108 ] قال : والذي أقوله : أن حكم هذا القول حكم الحقائق المشتركة ; لأنه حقيقة في المعنى الأول بحكم الوضع ، وحقيقة في المعنى الثاني بحكم العرف الطارئ وكثرة الاستعمال ، وهو حقيقة فيهما مشتركة بينهما باعتبار الوضع والعرف وتسميته مجازا خطأ . ا هـ .
وكذلك حكى الخلاف أيضا في " الملخص " وجزم به في " المحصول " في المسألة السابعة من الباب التاسع بالمساواة ، وقال القاضي عبد الوهاب الأصفهاني في شرحه " : إنه الحق . ، فالعبرة بالمجاز بالاتفاق كما لو وإن هجرت الحقيقة بالكلية بحيث لا تراد في العرف ، فإنه يحنث بثمرها لا بخشبها ، وإن كان هو الحقيقة ; لأنها قد أميتت بحيث لا تراد في العرف ألبتة ، وأما حلف لا يأكل من هذه النخلة ، فقال إذا غلب المجاز في الاستعمال ، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات : الحقيقة أولى ; لأنها راجحة بحسب الأصل وكونها مرجوحة أمر عارض لا عبرة به ، وقال أبو حنيفة صاحباه : المجاز أولى لكونه راجحا في الحال ظاهرا فيه . قال القرافي في " شرح التنقيح " : وهو الحق ; لأن الظهور هو المكلف به ، واختار الإمام في " المعالم " في " المنهاج " استواءهما ; لأن كل واحد راجح على الآخر من وجه ، فالحقيقة بالأصل والمجاز بالغلبة [ ص: 109 ] فيتعادلان ولا يحمل أحدهما على الآخر إلا بالنية ، وهذا يتوقف على ثبوت تعادل المرجحين ، وقال والبيضاوي الصفي الهندي : وعزي ذلك إلى . الشافعي
قلت : ويشهد له المثال ، فإنهم مثلوا المسألة بما إذا ، فعند حلف لا يشرب من الفرات ولا نية له إنما يحنث بالكرع منه ، ولا يحنث بالشرب من الأواني المملوءة منه ، وعندنا يحنث بالاغتراف منه كما يحنث بالكرع منه ; لأنه المتعارف ، وهو المنقول عندنا كما قاله أبي حنيفة الرافعي في كتاب الأيمان في النوع الثاني من ألفاظ الأكل والشرب . قالوا : والخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الأصل السابق وهو أن ؟ فإن كان المجاز خلفا في حق المتكلم لا تثبت المزاحمة بين الأصل والخلف ، فيجعل اللفظ عاملا في حقيقته عند الإمكان . هذا تحرير التصوير في هذه المسألة والنقل والتمثيل ، فاعتمده واطرح ما عداه . وجعل المجاز هل هو خلف عن الحقيقة في حق المتكلم أو في الحكم الأصفهاني في " شرح المحصول " محل الخلاف فيما إذا صدر ذلك ممن لا عرف له ولا قرينة ، فإن صدر ذلك من الشارع حمل على الحقيقة الشرعية قطعا أو من أهل العرف حمل عليها . والحق : أن المجاز إن ترجح على الحقيقة بحيث يتبادر إلى الفهم عند إطلاق اللفظ كالحقيقة الشرعية أو العرفية العامة أو الخاصة يحمل على الشرعية إن صدر من الشرع ، وعلى العرفية إن صدر منهم ، وإن ترجح على الحقيقة ، ولكن لم ينته إلى حد الشرعية أو العرفية أو انتهى إليه ولكن لم يصدر من أهل الشرع أو العرف فيكون اللفظ مجملا ، ولا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة أو النية .
[ ص: 110 ] وهاهنا أمور : أحدها : أن الآمدي ذكر في باب المجمل أن قيل : هو مجمل ، وأنه عند الحنفية يحمل على الشرعية . وفرق ما له موضوع شرعي ولغوي الغزالي بين حالة الإثبات فكذلك ، أو النفي فمجمل ، ولا شك أن الحقيقة الشرعية من المجاز الراجح ، ولم يظهر لي بينهما فرق في جريان الخلاف في كل من المسألتين إلى الأخرى ، لكن كلام الأصفهاني السابق يأباه . وقال صاحب " المصادر " بعد أن حكى الخلاف : وعندي أنه يجب حمله على المعنى المتعارف ، ولكن لا أسميه مجازا ، بل هو حقيقة عرفية كالغائط ، ورأيت في " شرح الوسيط " للشيخ نجم الدين بن الرفعة في باب الإيلاء ، وقد تعرض لحكاية الخلاف في هذه المسألة ، فقال : محل هذا الخلاف في جانب الإثبات ، وأما في جانب النفي فيعمل بالمجاز الراجح جزما ; لأنا إن نظرنا إلى المجاز فلا كلام ، وإن نظرنا إلى الحقيقة فسلبها يقتضي سلب سائر الأفراد ، ومن جملتها ما يرجح في الاستعمال . قال : ولهذا جزم الجمهور بأن وإن حكوا القولين في قوله : لا أباشرنك ولا أقربنك لملاحظة أصل الحقيقة ، والرجحان في لا أجامعك دونهما . ا هـ . لفظي الجماع والإيلاء صريحان
وفيه بعد عن كلام الأصوليين . الثاني : مثل في " المعالم " هذه المسألة بما ؟ ; لأن مادة " ط ل ق " حقيقتها في الخلية وحل القيد سواء من النكاح والرق فيكون حقيقة في عتقها [ ص: 111 ] بالوضع ، لكنها مرجوحة لاشتهارها في الطلاق الذي هو حل قيد النكاح ، وهو مجاز راجح ثم أورد أنه يلزم على هذا أن لا يصرف إلى المجاز الراجح إلا بالنية ، وليس كذلك بدليل أنه لو قال لزوجته : أنت طالق ، طلقت من غير نية . وأجاب بأن هذا غير لازم ; لأنه إذا قال لمنكوحته : أنت طالق فإن عنى بهذا اللفظ الحقيقة المرجوحة وهو إزالة مطلق القيد وجب أن يزول مسمى القيد ، وإذا زال هذا المسمى فقد زال القيد المخصوص ، وإن عنى به المجاز الراجح فقد زال قيد النكاح ، فلما كان يفيد الزوال على التقديرين استغنى عن النية . إذا قال لأمته : أنت طالق ونوى العتق ، هل يكون كناية فتعتق به
قال ابن التلمساني والسؤال لازم ; إذ الكلام مفروض فيما إذا ذكره ولم ينو شيئا ، فلا خلاف أنه يحمل على الطلاق ، فقوله : إن نوى حمل على السؤال . وقال بعضهم : هذا الذي قاله صاحب " المعالم " لا يتعلق بشيء مما قاله الحنفية ، بل هو مباين لهم ; لأنهم يقولون : لا يصلح للإيقاع ، وهذا مبحث في أنه يحتاج إلى النية أولا وهو بحث صحيح مفرع على القول باستواء الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح إلا إن قيل : إن لفظ الطلاق نقله إلى حل قيد النكاح ، وصار فيه حقيقة شرعية أو عرفية ، وارتفع عن هذا المجاز الراجح بذلك كسائر الحقائق الشرعية والعرفية . ومسألة التعارض فيما إذا لم يصل المجاز إلى هذا الحد ، والظاهر أنها مماته ، والحقيقة هنا لم تمت ، لكن سياق كلام صاحب المعالم " أنه ينوي الحقيقة ، وهو مطلق القيد ، وأصحابه إنما قالوا ينوي العتق ، وهو [ ص: 112 ] إزالة قيد خاص وهو ملك اليمين ، وهو مجاز لا حقيقة . فخرج عن معنى الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح ، فيبطل اليمين في هذه الجهة . ولا ندري ما يقول الأصحاب في هذه المسألة والشافعي لكن ينبغي أن يقال : تعتق ; لأنه يلزم من إزالة الأعم إزالة الأخص . وبعد فلا يستقيم التمثيل بالطلاق ; لأنه صار حقيقة شرعية أو عرفية في حل قيد النكاح ، وهما مقدمتان على الحقيقة اللغوية قطعا . إذا نوى بقوله : أنت طالق للأمة إزالة مطلق القيد من غير نية العتق بخصوصه