مسألة [ المفردات موضوعة ]
لا خلاف أن كوضع لفظ " إنسان " للحيوان الناطق ، وكوضع " قام " لحدوث القيام في زمن مخصوص ، وكوضع " لعل " للترجي ونحوها . المفردات موضوعة
[ اختلاف العلماء في ؟ ] المركبات هل هي موضوعة أم لا
واختلفوا في المركبات نحو قام زيد وعمرو منطلق ، فقيل : ليست [ ص: 234 ] موضوعة ، ولهذا لم يتكلم أهل اللغة في المركبات ، ولا في تأليفها ، وإنما تكلموا في وضع المفردات ، وما ذاك إلا أن الأمر فيها موكول إلى المتكلم بها ، واختاره فخر الدين الرازي ، وهذا هو ظاهر كلام ابن مالك حيث قال : إن دلالة الكلام عقلية لا وضعية ، واحتج له في كتاب الفيصل على المفصل " بوجهين :
أحدهما : أن من لا يعرف من الكلام العربي إلا لفظين مفردين صالحين لإسناد أحدهما إلى الآخر ، فإنه لا يفتقر عند سماعهما مع الإسناد إلى معرف لمعنى الإسناد بل يدركه ضرورة .
وثانيهما : أن الدال بالوضع لا بد من إحصائه ومنع الاستئناف فيه كما كان ذلك في المفردات والمركبات القائمة مقامها ، فلو كان الكلام دالا بالوضع وجب ذلك فيه ، ولم يكن لنا أن نتكلم إلا بكلام سبق إليه ، كما لا يستعمل في المفردات إلا ما سبق استعماله ، وفي عدم ذلك برهان على أن . ا هـ . الكلام ليس دالا بالوضع
وحكاه ابن إياز عن شيخه .
قال : ولو كان حال الجمل حال المفردات في الوضع لكان استعمال الجمل وفهم معناها متوقفا على نقلها عن العرب كما كان المفردات كذلك ، ولوجب على أهل اللغة أن يتتبعوا الجمل ويودعوها كتبهم كما فعلوا ذلك بالمفردات ، ولأن المركبات دلالتها على معناها التركيبي بالعقل لا بالوضع ، فإن من عرف مسمى " زيد " ، وعرف مسمى " قائم " ، وسمع " زيد قائم " بإعرابه المخصوص ، فهم بالضرورة معنى هذا الكلام وهو نسبة القيام [ ص: 235 ] إلى زيد . نعم يصح أن يقال : موضوعة باعتبار أنها متوقفة على معرفة مفرداتها التي لا تستفاد إلا من جهة الوضع ، ولأن للفظ المركب أجزاء مادية وجزءا صوريا ، وهو التأليف بينهما ، وكذلك لمعناه أجزاء مادية وجزء صوري ، والأجزاء المادية من اللفظ تدل على الأجزاء المادية من المعنى ، والجزء الصوري منه يدل على الجزء الصوري من المعنى بالوضع .
والثاني : أنها موضوعة فوضعت " زيد قائم " للإسناد دون التقوية في مفرداته ولا تنافي بين وضعها مفردة للإسناد بدون التقوية ووضعها مركبة للتقوية ، ولأنها تختلف باختلاف اللغات ، فالمضاف مقدم على المضاف إليه في بعض اللغات ، ومؤخر عنها في بعض ، ولو كانت عقلية لفهم المعنى واحدا سواء تقدم المضاف على المضاف إليه أو تأخر ، وهذا القول ظاهر كلام حيث قال : أقسامها : مفرد ومركب . ابن الحاجب
قال القرافي : وهو الصحيح ، وعزاه غيره للجمهور بدليل أنها حجرت في التراكيب كما حجرت في المفردات ، فقلت : إن من قال : إن قائم زيدا ليس من كلامنا ، ومن قال : إن زيدا قائم فهو من كلامنا ، ومن قال : في الدار رجل فهو من كلامنا ، ومن قال : رجل في الدار فليس من كلامنا إلخ إلى ما لا نهاية له في تراكيب الكلام ، وذلك يدل على تعرضها بالوضع للمركبات . والحق : أن العرب إنما وضعت أنواع المركبات ، أما جزئيات الأنواع فلا ، فوضعت باب الفاعل لإسناد كل فعل إلى من صدر منه ، أما الفاعل المخصوص فلا ، وكذلك باب إن وأخواتها أما اسمها المخصوص فلا ، وكذلك سائر أنواع التركيب ، وأحالت المعين على اختيار المتكلم ، فإن أراد القائل [ ص: 236 ] بوضع المركبات هذا المعنى فصحيح وإلا فممنوع ، ويتفرع على هذه القاعدة أن ؟ وأنه هل يشترط العلاقة في الآحاد أم لا ؟ وحقيقة هذا الخلاف يرجع إلى أن دلالة الكلام المركب على معناه هل هي عقلية كدلالة المتكلم من وراء الحائط على أنه إنسان أو وضعية ؟ المجاز هل يدخل في المركبات أم لا