[ ص: 177 ] الكتاب ] القرآن ، وقيل : بل متغايران ، ورد بقوله تعالى : عن الجن { إنا سمعنا قرآنا عجبا } وقال في موضع آخر : { إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } فدل على ترادفهما ، وهو أم الدلائل ، وفيه البيان لجميع الأحكام قال الله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } .
قال رضي الله عنه في " الرسالة " : وليست تنزل بأحد نازلة في الدنيا إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها ، وأورد من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة ، وأجاب الشافعي ابن السمعاني بأنه مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة ، لأنه أوجب عليه فيه اتباع الرسول ، وحذرنا من مخالفته . قال : فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبل . الشافعي
ويطلق القرآن ، والمراد به المعنى القائم بالنفس الذي هو صفة من صفاته ، وعليه يدل هذا المتلو ، وذلك محل نظر المتكلمين ، وأخرى ويراد به الألفاظ المقطعة المسموعة ، وهو المتلو . وهذا محل نظر الأصوليين والفقهاء وسائر خدمة الألفاظ كالنحاة والبيانيين والتصريفيين واللغويين وهو مرادنا .
[ ص: 178 ] فنقول : هو الكلام المنزل للإعجاز بآية منه المتعبد بتلاوته فخرج " بالمنزل " الكلام النفسي ، والألفاظ وإن كانت لا تقبل حقيقة النزول ولكن المراد المجاز الصوري . وقولنا : " للإعجاز " خرج به المنزل على غير النبي صلى الله عليه وسلم تعريف القرآن موسى وعيسى عليهما السلام ، فإنه لم يقصد به الإعجاز ، والأحاديث النبوية . وقد صرح في " الرسالة " : بأن السنة منزلة كالكتاب . قال الله تعالى { الشافعي وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } . وخرج بقولنا : " المتعبد بتلاوته " ما نسخت تلاوته .
وقلنا بآية منه ولم نقل بسورة كما ذكره الأصوليون ، لأن أقصر السور ثلاث آيات ، والتحدي قد وقع بأقل منها في قوله تعالى : { فليأتوا بحديث مثله } .
وصرح أصحابنا في كتاب الصداق فيما لو لا يحسب له شيء ، لأنه لا يسمى قرآنا ، لعدم الإعجاز فيها . كذا قال أصدقها تعليم سورة فلقنها بعض آية ، ثم نسيت ابن الصباغ . وقضيته أنه لا يحرم مثل ذلك على الجنب ، لكن صرح الفوراني وغيره بالمنع .
وأما الآية والآيتان فحكى في " الشامل " : وجهين : [ ص: 179 ] أحدهما : المنع ، لأن الإعجاز إنما يقع بثلاث آيات وذلك قدر سورة قصيرة .
والثاني : يجوز ، لأن الآية تامة من جنس له فيه إعجاز ، فأشبه الثلاث . على أن أصحابنا اختلفوا في أن ، فإن البلغاء من الإعجاز ممكن بالسورة العرب قد يقدرون على القليل دون الكثير .
وقال الآمدي ، في " الأبكار " : التزم القاضي في أحد جوابيه الإعجاز في سورة الكوثر وأمثالها تعلقا بقوله تعالى : { فأتوا بسورة مثله } والأصح : ما ارتضاه في الجواب الآخر ، وهو اختيار الأستاذ أبي إسحاق وجماعة من أصحابنا : أن التحدي إنما وقع بسورة تبلغ في الطول مبلغا يتبين فيه رتب ذوي البلاغة ، فإنه قد يصدر من غير البليغ أو ممن هو أدنى في البلاغة من الكلام البليغ ما يماثل بعض الكلام البليغ الصادر عمن هو أبلغ منه ، وربما زاد عليه ، ولا يمكن ضبط الكلام الذي يظهر فيه تفاوت البلغاء ، بل إنما ضبط بالمتعارف المعلوم بين أهل الخبرة والبلاغة .
قال الآمدي : ما ذكرناه إن كان ظاهر الإطلاق في قوله تعالى : { فأتوا بسورة مثله } غير أن تقييد المطلق بالدليل واجب ، فإن حمل التحدي على ما لا يتفاوت فيه بلاغة البلغاء ، ولا يظهر به التعجيز يكون ممتنعا . انتهى .