مسألة [ التكليف هل يتوجه حال مباشرة الفعل أو قبلها ؟ ]
هذه المسألة من غوامض أصول الفقه تصويرا ونقلا . التكليف هل يتوجه حال مباشرة الفعل المكلف به أو قبلها ؟
ونقل " المحصول " مخالف لنقل " الإحكام " ، وفيهما توقف على معرفة الفرق بين أمر الإعلام وأمر الإلزام ، وقد ذكرناه في بحث الأمر . [ ص: 152 ]
فنقول : فعل المكلف ينقسم بانقسام الزمان إلى ثلاثة أقسام : ماض وحال ومستقبل .
أما باعتبار الاستقبال فلا شك أن الفعل يوصف بكونه مأمورا به قبل وجوده قطعا سوى شذوذ من أصحابنا . كذا قال الآمدي . وهذا أحد شقي ما اختاره إمام الحرمين ، ونصب محل النزاع مع المعتزلة ، فقال : ذهب بعض أصحابنا إلى أن المأمور به إنما يصير مأمورا حالة زمان الفعل ، وأما قبل ذلك فلا يكون أمرا بل إعلام له بأنه في الزمان الثاني سيصير مأمورا . وقالت المعتزلة : إنما يكون مأمورا بالفعل قبل وقوعه . ثم استدل على أنه لا يمتنع كونه مأمورا حال حدوث الفعل وظن العبدري في " شرح المستصفى " الخلاف في هذه الحالة ، فقال : أثبت المعتزلة ونفاه الأشعرية ، فالقائم عند المعتزلة قادر على القعود ، وعند الأشعرية غير قادر ، ولم يتواردا على محل واحد ، فإن مراد المعتزلة : قادر بالقوة ، ومراد الأشعرية : قادر بالفعل ولا يصح إلا كذلك ، فلا خلاف بينهما . ا هـ .
وقال في " الملخص " : وأما تقدم الأمر على [ ص: 153 ] وقت المأمور به ، فاختلفوا ، فقال كثير من شيوخنا المثبتة : إن الأمر على الحقيقة الذي هو الإيجاب والإلزام لا يتقدم على وقت الفعل ، لأن ما تقدم فإنما هو إعلام وإنذار ، وأن الأمر على الحقيقة ما قارن الفعل وقال الباقون من أصحابنا : إنه يتقدم على وقت الفعل . القاضي عبد الوهاب
واختلف المعتزلة في مقدار ما يتقدم عليه الأوقات بعد اتفاقهم مع أصحابنا على وجوب تقديمه بوقت يحصل به للمأمور فهمه والعلم بما يقتضي منه ، فمنهم من قال : لا يجوز تقديمه عليه بأوقات كثيرة ، ولا يجوز إلا بوقت واحد إلا لمصلحة ، ومنهم من شرط في ذلك شروطا أخرى من كون تقدمه صلاحا للمكلف ، ولغيره ، وكون المكلف في جميع تلك الأوقات حيا سليما قادرا بجميع شرائط التكليف .
والذي يختاره القاضي أن الأمر المتقدم يجب تقديمه على الفعل بوقتين . أحدهما : وقت إدراك واستكمال سماعه .
والثاني : لحصول فهمه والعلم بالمراد به .
قال : ويبعد أن يقال : إنه يصح إيقاع الفعل في حال العلم بتضمن الأمر ، لأنه يحتاج المكلف إلى تقدم دليل له على وجوب الفعل المقتضي لمدة شاملة ، ثم تقدم على إيقاع ما حصل له العلم بوجوبه ، وإلا لكان مقدما على ما لم يستقر له العلم به .
والكلام في هذا من وجوه : أحدهما : في وجوب تقديم الأمر على وقت المأمور به .
والثاني : في أن تقدمه لا يخرجه عن أن يكون أمرا وإن كان إعلاما وإنذارا .
والثالث : في تصور تعلق الأمر بالفعل حال إيجاده . [ ص: 154 ] الرابع : في مقدمات ما يتقدم الأمر به على الفعل من الأوقات .
قال : والكلام في هذه المسألة إذا تعلق بأوامر الله لم يتصور فيه الخلاف ، لأنه يتقدم عندنا على الفعل المأمور به بما لا غاية له من الأوقات ، ولأنا لا نعتبر المصلحة في ذلك ولا نوجبها .