[ ص: 61 ] النظر لغة الانتظار ، وتقليب الحدقة نحو المرئي ، والرحمة ، والتأمل . ويتميز بالمعدي من حروف الجر . وفي الاصطلاح : الفكر المؤدي إلى علم أو ظن . قال إمام الحرمين في الشامل " : الفكر هو انتقال النفس من المعاني انتقالا بالقصد ، وذلك قد يكون بطلب علم أو ظن ، فيسمى نظرا . وقد لا يكون كأكثر حديث النفس ، فلا يسمى نظرا بل تخيلا وفكرا . والفكر أعم من النظر . فالحاصل أن قصد الناظر الانتقال من أجزاء الحد ، وقال في البرهان " : حقيقة النظر تردد في أنحاء الضروريات ومراتبها ، وقال فيما بعد : عندنا مباحثة في أنحاء الضروريات ومراتبها وأساليبها ، وقد اعترف فيما بعد أن الضروريات تنقسم إلى هاجم عليه ، ويسمى ضروريا . وإلى ما يحتاج إلى فكر ، فيسمى نظريا . قيل : وهذا نقض لقوله : إن كلها ضرورية . وأما حصر النظر في الضروريات فلا يستقيم ، فإنه قد يكون في غير الضروريات ضرورة ، ثم هو منقوض بالشك [ ص: 62 ] وقال : النظر هو الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو ظنا ، وهو مطرد في القاطع والظني . واحترز بقوله : " به " من بقية الصفات ، فإنه لا يطلب بها بل عندها ، فيكون شرطا للطلب . كذا حكاه عنه القاضي أبو بكر الآمدي واستحسنه ، وأجاب عما اعترض به عليه ، ثم اختار خلافه ، وليس لشيء واحد حدان مختلفان . وقال : هو الفكر في الشيء المنظور فيه طلبا ، لمعرفة حقيقة ذاته أو صفة من صفاته ، وقد يفضي إلى الصواب إذا رتب على وجهه ، وقد يكون خطأ إذا خولف ترتيبه . وقال الأستاذ أبو منصور الغزالي في الاقتصاد " : إذا أردت إدراك العلم المطلوب فعليك وظيفتان : إحداهما ، إحضار الأصلين أي : المقدمتين في ذهنك . وهذا يسمى فكرا . والآخر يسوقك إلى التفطن . لوجهة لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمى طلبا . قال : فلذلك من جرد التفاته إلى الوظيفة الأولى جد النظر بأنه الفكر ، ومن جرد التفاته إلى الثانية قال : إنه طلب علم أو غلبة ظن . قال : ومن التفت إلى الأمرين جميعا قال : إنه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظن . قالوا : ولا يستعمل إلا فيما يمكن أن يحصل [ ص: 63 ] له صورة في القلب ، ولذلك ورد ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) . وقال بعض الأذكياء : الفكر مقلوب الفرك غير أن الفكر لا يستعمل إلا في المعاني . وقال في كتابه المعتمد الكبير " : النظر والاستدلال معنى غير الفكر والروية ، بل يوجد عقبه . خلافا القاضي أبو يعلى للمعتزلة في قولهم : إنهما بمعنى واحد ، ولنا أن الإنسان يفكر أولا في الجسم . هل هو قديم أو حادث ؟ وما دام مفكرا فهو شاك ، ثم ينظر بعد ذلك في الدليل ، وحينئذ يلزم أن يكون النظر والفكر متغايرين . قال الروياني في البحر " : وجهان : أحدهما : أن النظر : طلب الصواب ، والجدال : نصرة القول . والثاني : النظر : الفكر بالقلب والعقل ، والجدال : الاحتجاج باللسان والفرق بين الجدال والنظر
، والله أعلم .