نعم ، هنا مسألتان : ( إحداهما ) : بالنسبة إلى وجوب التقليد ، و ( الثانية ) : بالنسبة إلى جوازه ، والقاضي إنما حكى الاتفاق في الأولى ، وحكى الخلاف في الثانية فقال : وقد اتفق على أنه لا يجب على الصحابي تقليد مثله من الصحابة ، فبذلك لا يجب تقليد غيرهم من العلماء لهم ، لتساوي أحوالهم . قال : وقد أجاز بعضهم تقليد بعض الصحابة بعضا ، واحتجوا بإجابة إلى تقليد عثمان أبي بكر في الأحكام ، وإن لم نعتبر وجوب ذلك . انتهى . وقد يدعي أنها مسألة واحدة . و يلزم من القول بالجواز الوجوب ، وكلام وعمر الشيخ في اللمع " يقتضي ذلك ، فإنه قال : إذا أجمعوا بين الصحابة على قولين بنى على القولين في أنه حجة أم لا .
فإن قلنا ليس بحجة لم يكن قول بعضهم حجة على بعض ، ولم يجز تقليد واحد منهما ، بل يرجع إلى الدليل . وإن قلنا إنه حجة فهاهنا دليلان تعارضا فيرجح أحدهما على الآخر بكثرة العدد من الجانبين ، أو يكون فيه إمام . انتهى . ثم هذا الاتفاق صحيح بالنسبة إلى زمنهم . أما بالنسبة إلى من بعدهم إذا اختلفوا فقد ظن قوم أن حجية قول الصحابي تزول إذا خالفه غيره من الصحابة ، لأنه ليس اتباع قول أحدهما أولى من الآخر ، وتعلقوا بما تقدم من نقل الإجماع . وهذا ضعيف ، لأن ذلك إنما هو بالنسبة إلى غيره من الصحابة ، وإنما الخلاف المشهور في أنه وفيه أقوال . [ ص: 57 ] الأول : أنه ليس بحجة مطلقا ، كغيره من المجتهدين ، وهو قول هل هو حجة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين ؟ في الجديد ، وإليه ذهب جمهور الأصوليين من أصحابنا الشافعي والمعتزلة . و يومئ إليه ، واختاره الإمام أحمد من أصحابه . أبو الخطاب
وزعم عبد الوهاب أنه الصحيح الذي يقتضيه مذهب ، لأنه نص على وجوب الاجتهاد واتباع ما يؤدي إليه صحيح النظر فقال : وليس في اختلاف الصحابة سعة ، إنما هو خطأ أو صواب . الثاني : أنه حجة شرعية مقدمة على القياس ، وهو قوله في القديم . ونقل عن مالك وأكثر الحنفية . قال صاحب " التقويم " : قال مالك أبو سعيد البردعي : واجب ، يترك بقوله القياس ، وعليه أدركنا مشايخنا . وذكر تقليد الصحابة : إن محمد بن الحسن لا يجوز . واحتج بأثر شرى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن عائشة - رضي الله عنها - والقياس ، وقال : وليس عن أصحابنا المتقدمين مذهب ثابت والمروي عن : " إذا أجمعت الصحابة سلمنا لهم ، وإذا جاء التابعون زاحمناهم ، لأنه كان منهم ، فلا يثبت لهم بدون إجماع . انتهى . أبي حنيفة
ومن كلام في القديم ، لما ذكر الصحابة رضوان الله عليهم : وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك فيه علم أو استنبط ، وآراؤهم لنا أجمل وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا . ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلم للرسول صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن أجمعوا ، وقول بعضهم إن تفرقوا . فهكذا نقول : إذا اجتمعوا أخذنا باجتماعهم ، وإن قال واحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله ، وإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ولم نخرج عن أقاويلهم كلهم . [ ص: 58 ] وقال في موضع آخر منه : فإن لم يكن على قول أحدهم دلالة من كتاب ولا سنة كان قول الشافعي أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - أحب إلي أن أقول من غيرهم أن أخالفهم ، من قبل أنهم أهل علم وحكاية . ثم قال : وإن وعلي ، نظرنا إلى الأكثر ، فإن تكافئوا نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجا عندنا . اختلف المفتون بعد الأئمة - يعني من الصحابة - ولا دليل فيما اختلفوا فيه
واعلم أن هذا القول اشتهر نقله عن القديم ، وقد نص عليه في الجديد أيضا ، وقد نقله الشافعي ، وهو موجود في كتاب الأم " ، في باب خلافه مع البيهقي ، وهو من الكتب الجديدة فلنذكره بلفظه ، لما فيه من الفائدة : قال مالك رحمه الله : ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما ، فإذا لم يكن كذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب الرسول أو واحدهم ، وكان قول الأئمة الشافعي أبي بكر وعمر وعثمان - رضوان الله عليهم - أحب إلينا إذا صرنا إلى التقليد ، ولكن إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فنتبع القول الذي معه الدلالة ، لأن قول الإمام مشهور فإنه يلزم الناس ومن لزم قوله الناس كان أظهر ممن يفتي الرجل والنفر ، وقد يأخذ بفتياه وقد [ ص: 59 ] يدعها ، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم ، ولا يعني الخاصة بما قالوا : عنايتهم بما قال الإمام . وعلي
ثم قال : فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة أخذنا بقولهم ، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم . : الأولى : الكتاب ، والسنة إذا ثبتت السنة . والثانية : الإجماع مما ليس في كتاب ولا سنة . والثالثة : أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفا فيهم . والرابعة : اختلاف أصحاب الرسول . والخامسة : القياس على بعض هذه الطبقات . ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان ، وإنما يؤخذ العلم من أعلى . هذا نصه بحروفه . وقد رواه والعلم طبقات عن شيوخه عن البيهقي الأصم عن الربيع عنه . وهذا صريح منه في أن قول الصحابي عنده حجة مقدمة على القياس ، كما نقله عنه إمام الحرمين ، فيكون له قولان في الجديد ، وأحدهما موافق للقديم وإن كان قد غفل عن نقله أكثر الأصحاب .
ويقتضي أيضا أن كان الحجة في قول الخلفاء الأربعة إذا وجد عنهم ، للمعنى الذي أشار إليه الصحابة إذا اختلفوا ، وهو اشتهار قولهم ورجوع الناس إليهم ، وقد استعمل الشافعي ذلك في الأم " في مواضع كثيرة ( منها ) قال في كتاب الشافعي ما نصه : وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله ، اتباعا الحكم في قتال المشركين رضي الله عنه ، ثم قال : وإنما قلنا هذا اتباعا لا قياسا ، وقال في كتاب " اختلاف لأبي بكر أبي حنيفة " في باب الغصب : أن وابن أبي ليلى قضى فيما إذا شرط البراءة في العيوب في الحيوان . قال : وهذا يذهب إليه ، وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا . وإنما كان [ ص: 60 ] القياس عدم البراءة . وقال عثمان ابن الصباغ : إنما احتج بقول الشافعي في الجديد لأن مذهبه إذا لم ينتشر ولم يظهر له مخالف كان حجة . انتهى . عثمان
وقال في عتق أمهات الأولاد : لا يجوز بيعها تقليدا رضي الله عنه . الثالث : أنه حجة إذا انضم إليه قياس ، فيقدم حينئذ على قياس ليس معه قول صحابي . نص عليه لعمر بن الخطاب - رحمه الله - في كتاب الرسالة " فقال : وأقوال أصحاب النبي - عليه السلام - إذا تفرقوا نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الإجماع ، أو كان أصح في القياس . وإذا قال واحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم له موافقة ولا خلافا صرت إلى اتباع قول واحدهم . وإذا لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئا يحكم له بحكمه ، أو وجد معه قياس . هذا نصه بحروفه . وقال الشافعي ابن الرفعة في المطلب " : حكى القاضي الحسين وغيره من أصحابنا عن أنه يرى في الجديد أن قول الصحابي حجة إذا عضده القياس . وكذا حكاه الشافعي ابن القطان في كتابه فقال : نقول بقول الصحابي إذا كان معه قياس . انتهى .
وكذا قال في كتابه ، فقال : قال في الجديد : إنه حجة إذا اعتضد بضرب من القياس يقوى بموافقته إياه . وقال القفال الشاشي القاضي في " التقريب " في باب القول في منع تقليد العالم للعالم : إن الذي قاله في الجديد ، واستقر عليه مذهبه ، وحكاه عنه الشافعي فقال في الجديد : أقول بقول الصحابي إذا كان معه قياس . وقال المزني في تعليقه " في باب الربا : عندنا أن الصحابي إذا كان له قول وكان معه قياس وإن كان ضعيفا فالمضي إلى قوله أولى ، خصوصا إذا كان إماما ، ولهذا منع ابن أبي هريرة الشافعي ، لأثر بيع اللحم بالحيوان المأكول بجنسه وغيره رضي الله عنه . [ ص: 61 ] أبي بكر الصديق قلت : ويشهد له أن استدل في الجديد على عدم وجوب الشافعي بفعل الموالاة في الوضوء رضي الله عنهما ، ثم قال : وفي مذهب كثير من أهل العلم أن ابن عمر أعاد الوسطى ولم يعد الأولى ، وهو دليل في قولهم على أن تقطيع الوضوء لا يمنع أن يجزئ عنه ، كما في الجمرة . انتهى . فاستدل بفعل الصحابي المعتضد للقياس ، وهو رمي الجمار ، وعلى الغسل أيضا ، كما وقع في أول كلامه . . الرجل إذا رمى الجمرة الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى