[ ص: 276 ] مسألة [ الفعل إما أن يزيد عن وقته وإما أن يساوي ] الفعل إما أن يزيد على وقته ، فإن كان الغرض منه إيقاع الفعل جميعه في الزمن الذي لا يسعه فهو تكليف بما لا يطاق . يجوزه من يجوزه ويمنعه من يمنعه ، وإن كان الغرض أن يبتدئ في ذلك الوقت ، ويتم بعده ، أو أن يترتب في ذمته ويفعله كله بعده فهو جائز وواقع ، كإيجاب الظهر على من زال عذره آخر الوقت ، فأدرك قدر ركعة من آخره ، وكذا تكبيرة على الأظهر بشرط السلامة قدر إمكان الطهارة والصلاة . وإما أن يساوي ويسمى " بالمعيار " كالصوم المعلق بما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وكوقت المغرب على القول الجديد ، وكما لو استأجره يوما للعمل فيه ، وهذا لا نزاع فيه .
[ ] وقسم الحنفية التساوي إلى ما يكون الوقت سببا لوجوبه كصوم رمضان ، وإلى ما لا يكون كذلك كقضائه ، وأثبتوا من الأقسام ما لا يعلم زيادته ولا مساواته ، وهو الواجب المشكل كالحج . وإما ناقص عنه كالصلاة ، ويسمى " الواجب الموسع " . وقد اختلف فيه ، فمنهم من أنكره ، ومنهم من اعترف به ، وهم الجمهور ، والإشكال فيه وفي الواجب المخير سواء ، إذ لأجله أنكره من أنكره [ ص: 277 ] هنا ، وهو أن الوجوب يلزمه المنع من الترك ، وكل جزء من أجزاء الوقت بعينه يجوز إخلاؤه عن الفعل ، وكذلك كل فرد من أفراد الواجب المخير يجوز تركه ، وذلك ينافي الوجوب . وحل الإشكال فيهما أن يقال : كل فرد من هذه الأفراد أعني : من أفراد الوقت وأفراد الواجب المخير له جهة عموم ، وهو كونه أحد هذه الأشياء ، وجهة خصوص وهو ما به يتميز عن غيره ، ومتعلق الوجوب جهة العموم وتلك لا يجوز تركها بوجه ، فإنه إنما يترك في الموسع بإخلاء جميع أجزاء الوقت عن العبادة ، وفي المخير ترك كل فرد من الأفراد ، وذلك ممتنع ، فلم يوجد المنافي للوجوب ، فهو جائز الترك فيما جعلناه متعلق الوجوب . أما جهة الخصوص فليست بواجبة لجواز تركها إلى غيرها واندفع الإشكال في المسألتين جميعا . الواجب الموسع
قال إلكيا الطبري : ولأجل هذا الإشكال اضطرب المحصلون في الجواب عنه ، فقيل : إنما يعصي بتفويته ولا تفويت إلا بالموت ، والزمان ظرف للوجوب ، والواجب لا ينسب إلى زمان ، كما إذا لم يكن مقيدا ، وقيل : يجوز تأخيره إلى بدل ، وهو العزم على فعله في الثاني ، فقيل لهم : العزم نتيجة الاعتقاد ضرورة لا بمقتضى اللفظ . وقيل : يجوز تأخيره بشرط سلامة العاقبة ، ولا يتخيل ذلك مع التمكن . ا هـ . إذا عرفت هذا فقال الجمهور : إن الموسع موجود والوقت جميعه [ ص: 278 ] ظرف للوجوب على معنى في أي جزء منه أوقعه تأدى الواجب ، وجوزوا التأخير عن أول الوقت إلى أن يضيق ، أو يغلب على ظن فواته بعده . قال : هذا قول أصحابنا ، وذهب إليه من أهل الرأي الأستاذ أبو منصور . ا هـ . ونقله محمد بن شجاع البلخي ابن برهان في الأوسط " عن أبي زيد منهم أيضا ، ونقله صاحب المعتمد " عن أبي شجاع ، وأبي علي الجبائيين ، وأصحابنا . وأبي هاشم
ووجه هذا القول : أنه لا يتعين بعض أجزاء الوقت بتعيين العبد ; لأن ذلك من وضع الشارع ، وإنما للعبد الارتفاق فيه ، كما في خصال الكفارة الواجب أحدها ، ولا يتعين منها شيء بتعيين المكلف نصا ولا قصدا بأن ينويه ، بل يختار أيها شاء فيفعله ، فيصير هو الواجب .