[ ؟ ] الفائدة العشرون : لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين الله بما هو مقلد فيه وليس على بصيرة فيه سوى أنه قول من قلده دينه ، هذا إجماع من السلف كلهم ، وصرح به الإمام هل يجوز للمقلد أن يفتي أحمد رضي الله عنهما وغيرهما . والشافعي
قال أبو عمرو بن الصلاح : قطع أبو عبد الله الحليمي إمام الشافعيين بما وراء النهر والقاضي أبو المحاسن الروياني صاحب بحر المذهب وغيرهما بأنه لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه .
وقال : وذكر الشيخ في شرحه لرسالة أبو محمد الجويني عن شيخه الشافعي أنه يجوز لمن حفظ كلام صاحب مذهب ، ونصوصه أن يفتي به وإن لم يكن عارفا بغوامضه وحقائقه ، وخالفه الشيخ أبي بكر القفال المروزي وقال : لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن متبحرا فيه عالما بغوامضه وحقائقه ، كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها ، وإذا كان متبحرا فيه جاز أن يفتي به . أبو محمد
وقال : من قال " لا يجوز له أن يفتي بذلك " معناه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه ، بل يضيفه إلى غيره ، ويحكيه عن إمامه الذي قلده . أبو عمرو
فعلى هذا من عددناه في أصناف المفتين المقلدين ليسوا على الحقيقة من المفتين ، ولكنهم قاموا مقام المفتين ، [ ص: 150 ] وادعوا عنهم فعدوا منهم ، وسبيلهم في ذلك أن يقولوا مثلا : مذهب كذا وكذا ، ومقتضى مذهبه كذا وكذا ، وما أشبه ذلك ، ومن ترك منهم إضافة ذلك إلى إمامه فإن كان ذلك اكتفاء منه بالمعلوم عن الصريح فلا بأس . الشافعي
قلت : ما ذكره حسن ، إلا أن صاحب هذه المرتبة يحرم عليه أن يقول " مذهب أبو عمرو " لما لا يعلم أنه نصه الذي أفتى به ، أو يكون شهرته بين أهل المذهب شهرة لا يحتاج معها إلى الوقوف على نصه ، كشهرة مذهبه في الجهر بالبسملة ، والقنوت في الفجر ، ووجوب تبييت النية للصوم في الفرض من الليل ، ونحو ذلك ، فأما مجرد ما يجد في كتب من انتسب إلى مذهبه من الفروع فلا يسعه أن يضيفها إلى نصه ومذهبه بمجرد وجودها في كتبهم ، فكم فيها من مسألة لا نص له فيها ألبتة ولا ما يدل عليه ؟ وكم فيها من مسألة نصه على خلافها ؟ وكم فيها من مسألة اختلف المنتسبون إليه في إضافتها إلى مقتضى نصه ومذهبه ؟ فهذا يضيف إلى مذهبه إثباتها ، وهذا يضيف إليه نفيها ، فلا ندري كيف يسع المفتي عند الله أن يقول : هذا مذهب الشافعي ، وهذا مذهب الشافعي مالك وأحمد ؟ . وأبي حنيفة
وأما قول الشيخ " إن لهذا المفتي أن يقول هذا مقتضى مذهب أبي عمرو مثلا " فلعمر الله لا يقبل ذلك من كل من نصب نفسه للفتيا حتى يكون عالما بمأخذ صاحب المذهب ومداركه وقواعده جمعا وفرقا ، ويعلم أن ذلك الحكم مطابق لأصوله وقواعده بعد استفراغ وسعه في معرفة ذلك فيها إذا أخبر أن هذا مقتضى مذهبه كان له حكم أمثاله ممن قال بمبلغ علمه ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . الشافعي
وبالجملة فالمفتي مخبر عن الحكم الشرعي ، وهو إما مخبر عما فهمه عن الله ورسوله ، وإما مخبر عما فهمه من كتابه أو نصوص من قلده دينه ، وهذا لون وهذا لون ، فكما لا يسع الأول أن يخبر عن الله ورسوله إلا بما علمه فكذا لا يسع الثاني أن يخبر عن إمامه الذي قلده دينه إلا بما يعلمه ، وبالله التوفيق .