[ ] شراء الوكيل ما وكل فيه لنفسه
المثال الثاني عشر : لو وكله أن يشتري له جارية معينة ، فلما رآها الوكيل أعجبته وأراد شراءها لنفسه من غير إثم يدخل عليه ولا غدر بالموكل جاز ذلك ; لأن شراءه إياها لنفسه عزل لنفسه وإخراج لها من الوكالة ، والوكيل يملك عزل نفسه في حضور الموكل وغيبته ، وإذا عزل [ نفسه ] واشترى الجارية لنفسه بماله ملكها ، وليس في ذلك بيع على بيع أخيه أو شراء على شراء أخيه ، إلا أن يكون سيدها قد ركن إلى الموكل وعزم على إمضاء البيع له ; فيكون شراء الوكيل لنفسه حينئذ حراما ; لأنه شراء على شراء أخيه ، ولا يقال : " العقد لم يتم والشراء على شرائه هو أن يطلب من البائع فسخ العقد في مدة الخيار ويعقد معه هو " لعدة أوجه :
أحدها : أن هذا حمل للحديث على الصورة النادرة ، والأكثر خلافها .
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن ذلك بخطبته على خطبة أخيه ، وذلك إنما يكون قبل عقد النكاح .
الثالث : أنه { } ، وذلك أيضا قبل العقد . نهي أن يسوم على سوم أخيه
الرابع : أن المعنى الذي حرم الشارع لأجله ذلك لا يختص بحالة الخيار ، بل هو قائم بعد الركون والتراضي وإن لم يعقداه كما هو قائم بعد العقد .
الخامس : أن هذا تخصيص لعموم الحديث بلا موجب ، فيكون فاسدا ، فإن شراءه على شراء أخيه متناول لحال الشراء وما بعده ، والذي غر من خصه بحالة الخيار ظنه أن هذا اللفظ إنما يصدق على من اشترى بعد شراء أخيه ، وليس كذلك ، بل اللفظ صادق على القسمين .
السادس : أنه لو اختص اللفظ بما بعد الشراء لوجب تعديته بتعدية علته إلى حالة السوم .
أما على أصل فلا يتأتى ذلك ; لأن الوكيل لا يملك عزل نفسه في غيبة الموكل ، فلو اشتراها لنفسه لكان عزلا لنفسه في غيبة موكله ، وهو لا يملكه . [ ص: 270 ] قالوا : فالحيلة في شرائها لنفسه أن يشتريها بغير جنس الثمن الذي وكل أن يشتري به ، وحينئذ فيملكها ; لأن هذا العقد غير الذي وكل فيه ، فهو بمنزلة ما لو أبي حنيفة ; فإن العقد يكون للوكيل دون الموكل ; فإن أراد الموكل الاحتراز من هذه الحيلة وأن لا يمكن الوكيل من شرائها لنفسه فليشهد عليه أنه متى اشتراها لنفسه فهي حرة ; فإن وكل الوكيل من يشتريها له انبنى ذلك على أصلين : وكله في شراء شاة فاشترى فرسا
أحدهما : أن الوكيل هل له أن يوكل أم لا ؟
والثاني : أن من حلف لا يفعل شيئا ; فوكل في فعله هل يحنث أم لا ؟
وفي الأصلين نزاع معروف ، فإن فالحكم على ما تقدم ، غير أن هاهنا أصلا آخر ، وهو أن وكله رجل في بيع جارية ووكله آخر في شرائها ، وأراد هو شراءها لنفسه فيه روايتان عن الإمام الوكيل في بيع الشيء هل يملك بيعه لنفسه ؟ ; إحداهما : لا يملك ذلك سدا للذريعة ; لأنه لا يستقصي في الثمن ، والثانية : يجوز إذا زاد على ثمنها في النداء لتزول التهمة ; فعلى هذه الرواية يفعل ذلك من غير حاجة إلى حيلة ، والثانية لا يجوز فعل هذا ، وهل يجوز له التحيل على ذلك ؟ فقيل : له أن يتحيل عليه بأن يدفع إلى غيره دراهم ويقول له : اشترها لنفسك ، ثم يتملكها منه ، والذي تقتضيه قواعد المذهب أن هذا لا يجوز ; لأنه تحيل على التوصل إلى فعل محرم ، ولأن ذلك ذريعة إلى عدم استقصائه واحتياطه في البيع ، بل يسامح في ذلك لعلمه أنها تصير إليه ، وأنه هو الذي يزن الثمن ، ولأنه يعرض نفسه للتهمة ، ولأن الناس يرون ذلك نوع غدر ومكر ; فمحاسن الشريعة تأبى الجواز . أحمد
فإن قيل : فلو ; فهل يجوز ذلك ؟ . وكله أحدهما في بيعها والآخر في شرائها ولم يرد أن يشتريها لنفسه
قيل : هذا ينبني على شراء الوكيل في البيع لنفسه ; فإن أجزناه هناك جاز هاهنا بطريق الأولى ، وإن منعناه هناك ، فقال : لا يجوز أيضا هاهنا ; لتضاد الغرضين ; لأن وكيل البيع يستقصي في زيادة الثمن ، ووكيل الشراء يستقصي في نقصانه ; فيتضادان ، ولم يذكر غير ذلك ، ويتخرج الجواز - وإن منعنا الوكيل من الشراء لنفسه من نص القاضي - على جواز كون الوكيل في النكاح وكيلا من الطرفين ، وكونه أيضا وليا من الطرفين ، وأنه يلي بذلك على إيجاب العقد وقبوله ، ولا ريب أن التهمة التي تلحقه في الشراء لنفسه أظهر من التهمة التي تلحقه في الشراء لموكله . أحمد
والحيلة الصحيحة في ذلك كله أن يبيعها بيعا بتاتا ظاهرا لأجنبي يثق به ، ثم يشتريها منه شراء مستقلا ; فهذا لا بأس به ، والله أعلم