فصل [ ] الحكمة في تخصيص المسافر بالرخص
وأما قوله : " وجوز للمسافر المترفه في سفره رخصة الفطر والقصر ، دون المقيم المجهود الذي هو في غاية المشقة " فلا ريب أن الفطر والقصر يختص بالمسافر ، ولا يفطر المقيم إلا لمرض ، وهذا من كمال حكمة الشارع ; فإن السفر في نفسه قطعة من العذاب ، [ ص: 86 ] وهو في نفسه مشقة وجهد ، ولو كان المسافر من أرفه الناس فإنه في مشقة وجهد بحسبه ، فكان من رحمة الله بعباده وبره بهم أن خفف عنهم شطر الصلاة واكتفى منهم بالشطر ، وخفف عنهم أداء فرض الصوم في السفر ، واكتفى منهم بأدائه في الحضر ، كما شرع مثل ذلك في حق المريض والحائض ، فلم يفوت عليهم مصلحة العبادة بإسقاطها في السفر جملة ، ولم يلزمهم بها في السفر كإلزامهم في الحضر ، وأما الإقامة فلا موجب لإسقاط بعض الواجب فيها ولا تأخيره ، وما يعرض فيها من المشقة والشغل فأمر لا ينضبط ولا ينحصر ; فلو جاز لكل مشغول وكل مشقوق عليه الترخص ضاع الواجب واضمحل بالكلية ، وإن جوز للبعض دون البعض لم ينضبط ; فإنه لا وصف يضبط ما تجوز معه الرخصة وما لا تجوز ، بخلاف السفر ، على أن المشقة قد علق بها من التخفيف ما يناسبها ، فإن كانت مشقة مرض وألم يضر به جاز معها الفطر والصلاة قاعدا أو على جنب ، وذلك نظير قصر العدد ، وإن كانت مشقة تعب فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب ، ولا راحة لمن لا تعب له ، بل على قدر التعب تكون الراحة ، فتناسبت الشريعة في أحكامها ومصالحها بحمد الله ومنه .