[ ] إحاطة الأوامر الشرعية بأفعال المكلفين
وهذه الجملة إنما تنفصل بعد تمهيد قاعدتين عظيمتين : إحداهما : أن الذكر الأمري محيط بجميع أفعال المكلفين أمرا ونهيا وإذنا وعفوا ، كما أن الذكر القدري محيط بجميعها علما وكتابة وقدرا ، فعلمه وكتابه وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده الواقعة تحت التكليف وغيرها ، وأمره ونهيه وإباحته وعفوه قد أحاط بجميع أفعالهم التكليفية ، فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد الحكمين : إما الكوني ، وإما الشرعي الأمري ، فقد بين الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به وجميع ما نهى عنه وجميع ما أحله وجميع ما حرمه وجميع ما عفا عنه ، وبهذا يكون دينه كاملا كما قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } ولكن قد يقصر فهم أكثر الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص وعن وجه الدلالة وموقعها ، وتفاوت الأمة في مراتب الفهم عن الله ورسوله لا يحصيه إلا الله ، ولو كانت الأفهام متساوية لتساوت أقدام العلماء في العلم ، ولما خص - سبحانه - سليمان بفهم الحكومة في الحرث ، وقد أثنى عليه وعلى داود بالعلم والحكم . وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه " الفهم الفهم فيما أدلي إليك " .
وقال " إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه " ، وقال علي : كان أبو سعيد أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل ، لعبد الله بن عباس } والفرق بين الفقه والتأويل أن الفقه هو فهم المعنى المراد ، والتأويل إدراك الحقيقة التي يئول إليها المعنى التي هي أخيته وأصله ، وليس كل من فقه في الدين عرف التأويل ، فمعرفة التأويل يختص به الراسخون في العلم ، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى ; فإن الراسخين في العلم يعلمون بطلانه والله يعلم بطلانه ودعا النبي صلى الله عليه وسلم