مسألة : لا يستفتي العامي إلا من عرفه بالعلم والعدالة
أما من عرفه بالجهل فلا يسأله وفاقا ، وإن سأل من لا يعرف جهله فقد قال قوم : يجوز وليس عليه البحث ; وهذا فاسد ; لأن كل من وجب عليه قبول قول غيره فيلزمه معرفة حاله فيجب على الأمة معرفة حال الرسول بالنظر في معجزته فلا يؤمن بكل مجهول يدعي أنه رسول الله ووجب على الحاكم معرفة حال الشاهد في العدالة والمفتي معرفة حال الراوي وعلى الرعية معرفة حال الإمام والحاكم .
وعلى الجملة كيف يسأل من يتصور أن يكون أجهل من السائل ؟ فإن قيل : إذا لم يعرف عدالة المفتي هل يلزمه البحث ؟ إن قلتم يلزمه البحث فقد خالفتم العادة ; لأن من دخل بلدة فيسأل عالم البلدة ولا يطلب حجة على عدالته ، وإن جوزتم مع الجهل فكذلك في العلم . قلنا : من عرفه بالفسق فلا يسأله ومن عرفه بالعدالة فيسأله ، ومن لم يعرف فيحتمل أن يقال : لا يهجم بل يسأل عن عدالته أولا فإنه لا يأمن كذبه وتلبيسه ، ويحتمل أن يقال : ظاهر حال العالم العدالة لا سيما إذا اشتهر بالفتوى ، ولا يمكن أن يقال : ظاهر حال الخلق العلم ونيل درجة الفتوى والجهل أغلب على الخلق فالناس كلهم عوام إلا الأفراد بل العلماء كلهم عدول إلا الآحاد .
فإن قيل : فإن وجب السؤال لمعرفة عدالته أو علمه فيفتقر إلى التواتر أم لا يفتقر إليه ؟ قيل : يحتمل أن يقال : فإن ذلك ممكن . ويحتمل أن يقال : يكفي غالب الظن الحاصل بقول عدل أو عدلين ، وقد جوز قوم العمل بإجماع نقله العدل الواحد وهذا يقرب من وجه