. . وأعني بها العقليات المحضة التي أفضى ذات العقل بمجرده إليها من غير استعانة بحس أو تخيل مجبل على التصديق بها ، مثل علم الإنسان بوجود نفسه وبأن الواحد لا يكون قديما حادثا وأن النقيضين إذا صدق أحدهما كذب الآخر وأن الاثنين أكثر من الواحد ونظائره ، وبالجملة هذه القضايا تصادف مرتسمة في العقل منذ وجوده ، حتى يظن العاقل أنه لم يزل عالما بها ولا يدري متى تجدد ولا يقف حصوله على أمر سوى وجود العقل ، إذ يرتسم فيه الموجود مفردا والقديم مفردا والحادث مفردا . والاعتقاد الجزم ينحصر في سبعة أقسام : الأول : الأوليات
والقوة المفكرة تجمع هذه المفردات وتنسب بعضها إلى بعض ، مثل أن القديم حادث . فيكذب العقل به ، وإن القديم ليس بحادث فيصدق العقل به ، فلا يحتاج إلا إلى ذهن ترتسم فيه المفردات وإلى قوة مفكرة تنسب بعض هذه المفردات إلى البعض ، فينتهض العقل على البديهة إلى التصديق أو التكذيب .
الثاني : وذلك كعلم الإنسان بجوع نفسه وعطشه وخوفه وفرحه وجميع الأحوال الباطنة التي يدركها من ليس له الحواس الخمس فهذه ليست من الحواس الخمس ولا هي عقلية ، بل البهيمة تدرك هذه الأحوال من نفسها بغير عقل ، وكذا الصبي ، والأوليات لا تكون للبهائم ولا للصبيان . المشاهدات الباطنة
الثالث : كقولك : الثلج أبيض والقمر مستدير والشمس مستنيرة . وهذا الفن واضح لكن الغلط يتطرق إلى الأبصار لعوارض مثل بعد مفرط وقرب مفرط أو ضعف في العين وأسباب الغلط في الأبصار التي هي على الاستقامة ثمانية والذي بالانعكاس كما في المرآة أو بالانعطاف ، كما يرى مما وراء البلور والزجاج فيتضاعف في أسباب الغلط ، واستقصاء ذلك في هذه العلاوة غير ممكن ، فإن أردت أن تفهم منه أنموذجا فانظر إلى طرف الظل فتراه ساكنا والعقل يقضي بأنه متحرك ، وإلى الكواكب فتراها ساكنة وهي متحركة ، وإلى الصبي في أول نشوئه والنبات في أول النشوء وهو في النمو والتزايد في كل لحظة على التدريج فتراه واقفا ، وأمثال ذلك مما يكثر المحسوسات الظاهرة