القسم الثالث : ما لا يعلم صدقه ولا كذبه ، فيجب التوقف فيه . وهو جملة الأخبار الواردة في أحكام الشرع والعبادات مما عدا القسمين المذكورين ، وهو . فإن قيل : عدم قيام الدليل على صدقه يدل على كذبه ; إذ لو كان صدقا لما أخلانا الله تعالى عن دليل على صدقه . كل خبر لم يعرف صدقه ولا كذبه
قلنا ولم يستحيل أن يخلينا عن دليل قاطع على صدقه ؟ ولو قلب هذا وقيل : يعلم صدقه لأنه لو كان كذبا لما أخلانا الله تعالى عن دليل قاطع على كذبه ، لكان مقاوما لهذا الكلام . وكيف يجوز ذلك ويلزم منه أن يقطع بكذب كل شاهد لا يقطع بصدقه وكفر كل قاض ومفت وفجوره إذا لم يعلم إسلامه وورعه بقاطع ؟ وكذا كل قياس ودليل في الشرع لا يقطع بصحته فليقطع ببطلانه .
وهذا بخلاف التحدي بالنبوة إذا لم تظهر معجزة ، فإنا نقطع بكذبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كلفنا تصديقه ، وتصديقه بغير دليل محال وتكليف المحال محال ، فبه علمنا أنا لم نكلف تصديقه فلم يكن رسولا إلينا قطعا . أما خبر الواحد وشهادة الاثنين فلم نتعبد فيه بالتصديق ، بل بالعمل عند ظن الصدق ، والظن حاصل ، والعمل ممكن ، ونحن مصيبون وإن كان هو كاذبا .
ولو علمنا [ ص: 116 ] بقول شاهد واحد فنحن مخطئون وإن كان هو صادقا . فإن قيل : إنما وجب إقامة المعجزة لنعرف صدقه فنتبعه فيما يشرعه فليجب عليه إزالة الشك فيما يبلغ من الشرع بالمشافهة والإشاعة إلى حد التواتر ليحصل العلم في حق من لم يشافهه به .
قلنا لا استحالة في أن يقسم الشارع شرعه إلى ما يتعبد فيه بالعلم والعمل فيجب فيه ما ذكرتموه وإلى ما يتعبد فيه بالعمل دون العلم ، فيكون فرض من يسمع من الرسول العلم والعمل جميعا وفرض من غاب العمل دون العلم ، ويكون العمل منوطا بظن الصدق في الخبر وإن كان هو كاذبا عند الله تعالى ، وكذا الظن الحاصل من قياس وقول شاهد يمين المدعى عليه أو يمين المدعي . مع النكول ، فلا نحيل شيئا من ذلك