( و ) أما غير ذلك من . فقسمان . أحدهما : ما علم حكمه ، وهو المشار إليه بقوله ( إن علمت صفته ) أي صفة حكمه ( من وجوب أو ندب أو إباحة ) وعلم صفة . حكم ذلك الفعل ، إما ( بنصه ) صلى الله عليه وسلم على ذلك الحكم ، بأن يقول : هذا الفعل واجب علي أو مستحب [ ص: 217 ] أو مباح ، أو يذكر خاصة من خواص أحد هذه الأحكام ، أو نحو ذلك ( أو تسويته ) صلى الله عليه وسلم الفعل الذي ما علمنا صفة حكمه ( بمعلومها ) أي بفعل معلوم صفة حكمه ، بأن يقول : هذا مثل كذا ، أو هذا مساو لفعل كذا ونحو ذلك ( أو ) تعلم صفة حكم الفعل ( بقرينة تبين ) صفة ( أحدها ) أي أحد الأحكام الثلاثة المتقدمة . فمن القرائن الدالة على الوجوب : فعل الأذان والإقامة للصلاة ، فإنه قد تقرر في الشرع أن الأذان والإقامة من أمارات الوجوب ، ولهذا لا يطلبان في صلاة عيد ولا كسوف ، ولا استسقاء . فيدلان على وجوب الصلاة التي يؤذن لها ويقام . ومنها : قطع اليد في السرقة ، والختان فإن الجرح والإبانة ممنوع منهما ، فجوازهما يدل على وجوبهما . ومن قرائن الوجوب أيضا : أن يكون الفعل قضاء لما علم وجوبه . وأما الندب : فكقصد القربة مجردا عن دليل وجوب وقرينة . وأما الإباحة : فكالفعل الذي ظهر بالقرينة أنه لم يقصد به القربة ( أو ) تعلم صفة حكم الفعل ( بوقوعه بيانا لمجمل ) كقطع يد السارق من الكوع ( أو ) تعلم صفة حكم الفعل بوقوعه ( امتثالا لنص يدل على حكم ) من إيجاب أو ندب ، فيكون هذا الفعل تابعا لأصله الذي هو مدلول النص من ذلك ، فكل فعل من ذلك علمت صفة حكمه في حقه صلى الله عليه وسلم ( فأمته مثله ) لكن إن أتى بالفعل بيانا لندب أو إباحة ، فقد أتى بواجب من جهة التشريع ، أي تبيين الحكم لوجوبه عليه . فيكون للفعل حينئذ جهتان : جهة وجوب من حيث وجوب التشريع ، وجهة ندب أو إباحة من حيث تعلقه بفعل الأمة . والقسم الثاني من فعله صلى الله عليه وسلم الذي ليس بمختص به ، ولا بجبلي ، ولا متردد بين الجبلي وغيره ، ولا ببيان : هو ما أشير إليه بقوله ( وإلا ) أي وإن لم تعلم صفة حكم فعله صلى الله عليه وسلم الذي ليس بواحد مما ذكر . فعله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما ليس مختصا به ، ولا جبليا ، ولا مترددا بين الجبلي وغيره ، ولا بيانا
فهو نوعان . أحدهما : ما أشير إليه بقوله ( فإن تقرب به ) أي قصد به النبي صلى الله عليه وسلم القربة ( ف ) هو واجب علينا وعليه عند الإمام رضي الله عنه [ ص: 218 ] وأكثر أصحابه ، وهو الصحيح عن الإمام أحمد رضي الله عنه ، واختاره مالك ابن السمعاني .
وقال : هو أشبه بمذهب . وعن الإمام الشافعي رواية ثانية أنه مندوب . أحمد
قال : نقلها المجد إسحاق بن إبراهيم وجماعة بألفاظ صريحة ، وحكي عن والأثرم الشافعي والظاهرية والمعتزلة ، وعنه رواية ثالثة بالوقف ، حتى يقوم دليل على حكمه . اختاره وأكثر أبو الخطاب المتكلمين والأشعرية . وصححه القاضي أبو الطيب . وحكي عن جمهور المحققين . والنوع الثاني : هو ما أشير إليه بقوله ( وإلا ) أي وإن لم يتقرب بالفعل الذي لم تعلم صفة حكمه ( ف ) هو ( مباح ) عند الأكثر . قال في المسودة : فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الإباحة إن لم يكن فيه معنى القربة في قول الجمهور . وقيل : واجب ، واختاره جماعة . المجد
وقيل : مندوب ، واختاره جماعة أيضا . واستدل للقول بالوجوب فيما إذا قصد به القربة بقوله تعالى { واتبعوه } وبقوله تعالى ( { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } ) والفعل أمر . وبقوله تعالى ( { وما آتاكم الرسول فخذوه } ) وبقوله تعالى ( { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ) أي تأسوا به . وبقوله تعالى ( { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } ) ومحبته واجبة . فيجب لازمها ، وهو اتباعه ، وبقوله تعالى ( { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج } ) فلولا الوجوب لما رفع تزويجه الحرج عن المؤمنين في أزواج أدعيائهم . { } . رواه ولما خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة خلعوا نعالهم أحمد من حديث وأبو داود وصححه أبي سعيد ابن خزيمة وابن حبان . وروي مرسلا ، { والحاكم ولما أمرهم بالتحلل في صلح الحديبية : تمسكوا } . رواه ، { البخاري وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن الغسل بلا إنزال . فأجاب بفعله } . رواه ، ولأن فعله كقوله في بيان مجمل وتخصيص وتقييد ، ولأن في مخالفته تنفيرا وتركا للحق ، لأن فعله حق مسلم لأنه يحصل فيه التأسي ( بل [ ص: 219 ] فعله ينفي الكراهة ) قاله ( ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ) الفعل ( المكروه ليبين به الجواز ) وغيره من أصحابنا وغيرهم ، ومرادهم ( حيث لا معارض له ) وإلا فقد يفعل غالبا شيئا ، ثم يفعل خلافه لبيان الجواز . وهو كثير عندنا ، وعند أرباب المذاهب ، كقولهم في ترك الوضوء مع الجنابة لنوم أو أكل أو معاودة وطء ، تركه لبيان الجواز ، وفعله غالبا للفضيلة ( وتشبيكه ) بين أصابعه ( بعد سهوه ) في حديث القاضي ذي اليدين في المسجد ( لا ينفيها ) أي لا ينفي الكراهة ( لأنه نادر ) وقال النووي في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين ، قال العلماء : إن ذلك كان أفضل في حقه من التثليث لبيان التشريع