[ ص: 160 ] (6) وَمِنْ بَابِ: النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ

اخْتُلِفَ فِي nindex.php?page=treesubj&link=2486نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ : فَذَهَبَ قَوْمٌ : إِلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ . وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فِي عِلْمِي . وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ : nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ : إِلَى كَرَاهَتِهِ . وَقَدْ وَاصَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ ، مِنْهُمُ : nindex.php?page=showalam&ids=16414ابْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ . وَأَجَازَهُ nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ ، وَإِسْحَاقُ ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وَابْنُ حَنْبَلٍ مِنْ سَحَرٍ إِلَى سَحَرٍ .

وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ هُوَ : هَلْ مَحْمَلُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ ، أَوْ يُصْرَفُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى الْكَرَاهِيَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَاصَلَ بِأَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا ، ثُمَّ إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ مَا يَلْحَقُ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالضَّعْفِ ، فَإِذَا أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَلْ يَجُوزُ أَمْ تُسَدُّ الذَّرِيعَةُ فَلَا يَجُوزُ .

وَأَمَّا مَنْ خَصَّ جَوَازَهُ بِالسَّحَرِ ; فَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ ; وَلِأَنَّ أَكْلَةَ السَّحَرِ يُؤْمَنُ مَعَهَا الضَّعْفُ وَالْمَشَقَّةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا كُرِهَ الْوِصَالُ .

وَقَوْلُهُ : ( إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي ) ; حَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَهُوَ : أَنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُ طَعَامًا ، وَيَسْقِيهِ شَرَابًا حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ . وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ : ( إِنَّكَ تُوَاصِلُ ) ، وَلَا ارْتَفَعَ اسْمُ الْوِصَالِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ مُفْطِرًا ، وَكَانَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِمَا سُئِلَ عَنْهُ ; وَلِأَنَّ [ ص: 161 ] فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ : (إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي) ; وَ (ظَلَّ) ; إِنَّمَا تُقَالُ فِيمَنْ فَعَلَ الشَّيْءَ نَهَارًا . وَ (بَاتَ) فِيمَنْ فَعَلَهُ لَيْلًا ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادُ صَوْمِهِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ .

وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مِثْلَ مَا يَخْلُقُهُ فِيمَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ . وَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ ، وَيَرْبُطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَةَ مِنَ الْجُوعِ ، وَكَانَ يَقُولُ : (الْجُوعُ حِرْفَتِي) ; عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ ، وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى الْمَعْنَى ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ فِيهِ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ لَمَا وَجَدَ لِعِبَادَةِ الصَّوْمِ رُوحَهَا الَّذِي هُوَ الْجُوعُ وَالْمَشَقَّةُ ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ تَرْكُ الْوِصَالِ أَوْلَى .

وَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ عَلَيْهِ قُوَّتَهُ مِنْ غَيْرِ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ ، كَمَا يَحْفَظُهَا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ عَلَيَّ قُوَّتِي بِقُدْرَتِهِ ، كَمَا يَحْفَظُهَا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .