مثاله: ما أرويه عن شيخ، أخبرني به عن واحد، عن الحافظ، عن البيهقي الحافظ أعلى من روايتي لذلك عن شيخ، أخبرني به عن واحد، عن الحاكم أبي عبد الله أبي بكر بن خلف، عن ، وإن تساوى الإسنادان في العدد، لتقدم وفاة الحاكم على وفاة البيهقي ابن خلف; لأن مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ومات البيهقي ابن خلف سنة سبع وثمانين وأربعمائة .
روينا عن أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله، قال : "قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه، وإن كانا متساويين في العدد ". ومثل ذلك من حديث نفسه بمثل ما ذكرناه . ثم إن هذا كلام في العلو المنبني على تقدم الوفاة، المستفاد من نسبة شيخ إلى شيخ، وقياس راو براو .
أما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة شيخك من غير نظر إلى قياسه براو آخر، فقد حده بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة.
وذلك ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري قال : سمعت أحمد بن عمير الدمشقي - وكان من أركان الحديث - يقول : إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو ، وفيما نروي عن ، قال : "إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال ". وهذا أوسع من الأول. والله أعلم . أبي عبد الله بن منده الحافظ
الخامس : : أنبئنا عن العلو المستفاد من تقدم السماع محمد بن ناصر الحافظ، عن قال : "من العلو تقدم السماع ". محمد بن طاهر الحافظ،
قلت : وكثير من هذا يدخل في النوع المذكور قبله، وفيه ما لا يدخل في ذلك، بل يمتاز عنه . مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا، وسماع الآخر من أربعين سنة. فإذا تساوى السند إليهما في العدد ، فالإسناد إلى الأول الذي تقدم سماعه أعلى .
فهذه أنواع العلو على الاستقصاء والإيضاح الشافي، ولله سبحانه وتعالى الحمد كله .
وأما ما رويناه عن الحافظ أبي الطاهر السلفي - رحمه الله - من قوله في أبيات له :
بل علو الحديث بين أولي الحفـ ـظ والإتقان صحة الإسناد
وما رويناه عن الوزير نظام الملك من قوله: " عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن بلغت رواته مائة" فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث، وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب. والله أعلم .
فصل
وأما النزول فهو ضد العلو ، وما من قسم من أقسام العلو الخمسة إلا وضده قسم من أقسام النزول ، فهو إذا خمسة أقسام، وتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو على نحو ما تقدم شرحه .
وأما قول "لعل قائلا يقول: النزول ضد العلو، فمن عرف العلو فقد عرف ضده، وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة .... إلى آخر كلامه" فهذا ليس نفيا لكون النزول ضدا للعلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو ، وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو، فإنه قصر في بيانه وتفصيله، وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو، فإنه مفصل تفصيلا مفهما لمراتب النزول، والعلم عند الله تبارك وتعالى. الحاكم أبي عبد الله:
ثم إن النزول مفضول مرغوب عنه، والفضيلة للعلو على ما تقدم بيانه ودليله .
وحكى عن بعض أهل النظر أنه قال : "التنزل في الإسناد أفضل" واحتج له بما معناه أنه يجب الاجتهاد، والنظر في تعديل كل راو وتجريحه، فكلما زادوا كان الاجتهاد أكثر فكان الأجر أكثر. ابن خلاد،
وهذا مذهب ضعيف ضعيف الحجة ، وقد روينا عن علي ابن المديني، وأبي عمرو المستملي النيسابوري أنهما قالا : "النزول شؤم".
وهذا ونحوه مما جاء في ذم النزول مخصوص ببعض النزول، فإن النزول إذا تعين - دون العلو - طريقا إلى فائدة راجحة على فائدة العلو فهو مختار غير مرذول. والله أعلم .