. ومنهم من لا يخلطه، ويثبته فوقه، لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره
ومنهم من يستقبح هذا، ويراه تسويدا، وتطليسا، بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة، وكذلك في آخره ، وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره، وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع .
ومن الأشياخ من يستقبح الضرب، والتحويق، ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب .
وربما كتب بعضهم عليه ( لا) في أوله، و ( إلى ) في آخره ، ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية، وسقط في رواية أخرى. والله أعلم .
وأما : فقد تقدم بالكلام فيه الضرب على الحرف المكرر رحمه الله على تقدمه ، فروينا عنه قال : قال بعض أصحابنا : "أولاهما بأن يبطل الثاني، لأن الأول كتب على صواب، والثاني كتب على الخطأ، فالخطأ أولى بالإبطال " وقال آخرون : "إنما الكتاب علامة لما يقرأ، فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما عليه، وأجودهما صورة ". القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي
وجاء آخرا ففصل تفصيلا حسنا ، فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني; صيانة لأول السطر عن التسويد، والتشويه ، وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر، فإن سلامة أوائل السطور، وأواخرها عن ذلك أولى ، فإن اتفق أحدهما في آخر سطر، والآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر، فإن أول السطر أولى بالمراعاة ، فإن كان التكرر في المضاف، أو المضاف إليه، أو في الصفة، أو في الموصوف، أو نحو ذلك لم نراع حينئذ أول السطر، وآخره، بل نراعي الاتصال بين المضاف، والمضاف إليه، ونحوهما في الخط، فلا نفصل بالضرب بينهما، ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط . القاضي عياض
وأما المحو : فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره، وتتنوع طرقه ، ومن أغربها - مع أنه أسلمها - ما روي عن الإمام المالكي : أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه ، وإلى هذا يومي ما روينا عن سحنون بن سعيد التنوخي رضي الله عنه أنه كان يقول : "من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد" والله أعلم . إبراهيم النخعي
الرابع عشر : ، وسبيله : أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ، ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها ، أو من نقص أعلم عليه، أو من خلاف كتبه إما في الحاشية، وإما في غيرها، معينا في كل ذلك من رواه، ذاكرا اسمه بتمامه ، فإن رمز إليه بحرف، أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره، كيلا يطول عهده به فينسى، أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى . ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه، جيد التمييز بينها، كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها
وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة .
واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة، فعل ذلك من المشارقة، أبو ذر الهروي وأبو الحسن القابسي من المغاربة، مع كثير من المشايخ وأهل التقييد .
فإذا كان في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة ، وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة، ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب، أو آخره على ما سبق. والله أعلم .
الخامس عشر : غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم ( حدثنا)، و ( أخبرنا) غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس .
أما ( حدثنا) فيكتب منها شطرها الأخير، وهو الثاء والنون والألف . وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف . وأما ( أخبرنا) فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا .
وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة ( أخبرنا) بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا، وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله .
وقد يكتب في علامة ( أخبرنا) راء بعد الألف، وفي علامة ( حدثنا) دال في أولها . وممن رأيت في خطه الدال في علامة (حدثنا) الحافظ ، أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمي ، و الحافظ ، رضي الله عنهم. والله أعلم . أحمد البيهقي
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ( ح ) وهي حاء مفردة مهملة.
ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها، غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ ، والحافظ أبي عثمان الصابوني أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري ، والفقيه المحدث أبي سعيد الخليلي - رحمهم الله تعالى - في مكانها بدلا عنها (صح ) صريحة . وهذا يشعر بكونها رمزا إلى ( صح ). وحسن إثبات (صح ) هاهنا، لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد قد سقط ، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول، فيجعلا إسنادا واحدا .
وحكى لي بعض من جمعتني، وإياه الرحلة بخراسان، عمن وصفه بالفضل من الأصبهانيين أنها حاء مهملة من التحويل، أي من إسناد إلى إسناد آخر . وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل الغرب، وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا ( الحديث )، فقال لي : أهل المغرب - وما عرفت بينهم اختلافا - يجعلونها حاء مهملة، ويقول أحدهم إذا وصل إليها ( الحديث ).
وذكر لي : أنه سمع بعض البغداذيين يذكر أيضا أنها حاء مهملة، وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة ( حا ) ويمر .
وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي - رحمه الله - عنها، فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين الإسنادين ، قال : ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة، وأنكر كونها من (الحديث) وغير ذلك، ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته .
قال المؤلف : وأختار أنا - والله الموفق - أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها: ( حا ) ويمر، فإنه أحوط الوجوه وأعدلها، والعلم عند الله تعالى.
السادس عشر : ذكر أنه الخطيب الحافظ ، قال : وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه، وتاريخ وقت السماع، وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب، فكلا قد فعله شيوخنا . ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه، وكنيته ونسبه، ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه
قلت : كتبة التسميع حيث ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج إليه، ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعه .
وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط، ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح، وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه، فطالما فعل الثقات ذلك .
وقد حدثني بمرو الشيخ عن أبيه، عمن حدثه من الأصبهانية أن أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي، عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده، قرأ ببغداد جزءا على أبي أحمد الفرضي ، وسأله خطه ليكون حجة له . فقال له أبو أحمد : "يا بني، عليك بالصدق، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد، وتصدق فيما تقول وتنقل، وإذا كان غير ذلك، فلو قيل لك : ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ، ماذا تقول لهم؟".
ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط، وبيان السامع، (والمسموع) منه بلفظ غير محتمل، ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه، والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد . فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه، لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه، فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى.
ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه، ومنعه من نقل سماعه، ومن نسخ الكتاب، وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به . روينا عن أنه قال : "إياك وغلول الكتب " قيل له : "وما غلول الكتب؟" قال : "حبسها عن أصحابها ". الزهري
وروينا عن رضي الله عنه أنه قال : "ليس من فعال أهل الورع، ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه ". وفي رواية: "ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه ". فإن منعه إياه فقد روينا : أن رجلا ادعى على رجل الفضيل بن عياض بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها فقال لصاحب الكتاب : "أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك، وما كان بخطه أعفيناك منه ". حفص بن غياث،
قال : "سألت ابن خلاد أبا عبد الله الزبيري عن هذا، فقال : لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا; لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه " قال : وقال غيره: " ليس بشيء ". ابن خلاد
وروى ، عن الخطيب الحافظ أبو بكر إسماعيل بن إسحاق القاضي : أنه تحوكم إليه في ذلك، فأطرق مليا، ثم قال للمدعى عليه : "إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره، وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم ".
قلت : معدود في الطبقة الأولى من أصحاب حفص بن غياث أبي حنيفة، وأبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب ، الشافعي وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب وإمامهم، وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك، ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه . وقد كان لا يبين لي وجهه، ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده، فعليه أداؤها بما حوته، وإن كان فيه بذل ماله، كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها، والعلم عند الله تبارك وتعالى. مالك،
ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية . وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شيء من النسخ، أو يثبته فيها عند السماع ابتداء، إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع، كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة، إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة. والله أعلم .