( قال ) وإذا فعليه فيما أخرجت من الزرع الصدقة فإن قال قائل : فما الحجة في هذا ؟ قيل لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة من [ ص: 21 ] قوم كانوا يملكون أرضهم من المسلمين وهذه أرض من زرعها من المسلمين فإنما زرع ما لا يملك من الأرض وما كان أصله فيئا ، أو غنيمة ، فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر ، أو خراج خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وخاطبهم بأن قال { وآتوا حقه يوم حصاده } فلما كان الزرع مالا من مال المسلم والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الأرض ، فإن قال فهل من شيء توضحه غير هذا ؟ قيل : نعم الرجل يتكارى من الرجل الأرض أو يمنحه إياها فيكون عليه في زرعها الصدقة كما يكون عليه لو زرع أرض نفسه ، فإن قال : فهذه لمالك معروف ، قيل : فكذلك يتكارى في الأرض الموقوفة على أبناء السبيل وغيرهم ممن لا يعرف بعينه ، وإنما يعرف بصفته فيكون عليه في زرعها الصدقة .
فإن قال : هذا هكذا ، ولكن أصل هذه لمسلم ، أو لمسلمين وأصل تلك لمشرك قيل لو كانت لمشرك ما حل لنا إلا بطيب نفسه ، ولكن لما كانت عنوة ، أو صلحا كانت مالا للمسلمين كما تغنم أموالهم من الذهب والفضة فيكون علينا فيها الصدقة كما يكون علينا فيما ورثنا من آبائنا ; لأن ملكهم قد انقطع عنهم فصار لنا ، وكذلك الأرض فإن قال قائل فهي لقوم غير معروفين ، قيل هي لقوم معروفين بالصفة من المسلمين ، وإن لم يكونوا معروفين أعيانهم كما تكون الأرض الموقوفة لقوم موصوفين ، فإن قال : فالخراج يؤخذ منها ، قيل : لولا أن الخراج كراء ككراء الأرض الموقوفة وكراء الأرض للرجل حرم على المسلم أن يؤدي خراجا وعلى الآخذ منه أن يأخذ منها خراجا ، ولكنه إنما هو كراء ، ألا ترى أن الرجل يكتري الأرض بالشيء الكثير فلا يحسب عليه ، ولا له فيخفف عنه من صدقتها شيء لما أدى من كرائها