أخبرنا سعيد عن عن ابن جريج أن يوسف بن ماهك عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل في أناس محرمين من وكعب الأحبار بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي مرت به رجل من جراد ، فأخذ جرادتين فملهما ونسي إحرامه ، ثم ذكر إحرامه فألقاهما . فلما قدمنا المدينة دخل القوم على ودخلت معهم . فقص عمر بن الخطاب كعب قصة الجرادتين على فقال عمر من بذلك أمرك يا عمر كعب قال : نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما جعلت في نفسك ؟ قال درهمين قال : بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك
( قال ) في هذا الحديث دلائل منها : الشافعي
إحرام معاذ وكعب وغيرهم من بيت المقدس وهو وراء الميقات بكثير ، وفيه أن كعبا قتل الجرادتين حين أخذهما بلا ذكاة ، وهذا كله قد قص على فلم ينكره وقول عمر درهمان خير من مائة جرادة ، أنك تطوعت بما ليس عليك فافعله متطوعا ، أخبرنا عمر سعيد عن قال سمعت بكير بن عبد الله بن الأشج يقول كنت جالسا عند القاسم بن محمد فسأله رجل عن عبد الله بن عباس فقال : فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات ، ولكن ولو ، وهذا يدل على أنه إنما رأى عليه قيمة الجرادة وأمره بالاحتياط وفي الجرادة قيمتها في الموضع الذي يصيبها فيه كان تمرة أو أقل أو أكثر وهذا مذهب القوم - والله أعلم - ووجدت مذهب جرادة قتلها وهو محرم عمر وغيرهم في الجرادة أن فيها قيمتها ووجدت كذلك مذهبهم أن في دواب الصيد مثله من النعم بلا قيمة ; لأن الضبع لا يسوى كبشا . وابن عباس
والغزال قد يسوى عنزا ولا يسوى عنزا واليربوع لا يسوى جفرة والأرنب لا يسوى عناقا . قلما رأيتهم ذهبوا في دواب الصيد على تقارب الأبدان لا القيم لما وصفت ولأنهم حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى ، ولو حكموا بالقيم لاختلفت أحكامهم لاختلاف البلدان والأزمان ولقالوا فيه قيمته كما قالوا في الجرادة ووجدت مذاهبهم مجتمعة على الفرق بين الحكم في الدواب والطائر لما وصفت من أن في الدواب مثلا من النعم وفي الجرادة من الطائر قيمة وفيما دون الحمام .
( قال ) ثم وجدت مذاهبهم تفرق بين الحمام وبين الجرادة ; لأن العلم يحيط أن ليس يسوى حمام الشافعي مكة شاة وإذا كان هذا هكذا فإنما فيه أتباعهم ; لأنا لا نتوسع في خلافهم ، إلا إلى مثلهم ولم نعلم مثلهم خالفهم .
والفرق بين حمام مكة وما دونه من صيد الطير يقتله المحرم لا يجوز فيه إلا أن يقال بما تعرف العرب من أن الحمام عندهم أشرف الطائر وأغلاه ثمنا بأنه الذي كانت تؤلف في منازلهم وتراه أعقل الطائر وأجمعه للهداية بحيث يؤلف ، وسرعة الألفة وأصواته التي لها عندهم فضل لاستحسانهم هديرها ، وأنهم كانوا يستمتعون بها لأصواتها وإلفها وهدايتها وفراخها وكانت مع هذا مأكولة ولم يكن شيء من مأكول الطائر ينتفع به عندها إلا لأن يؤكل فيقال العرب حمامة ففيه شاة وذلك الحمام [ ص: 216 ] نفسه واليمام والقماري والدباسي والفواخت وكل ما أوقعت كل شيء من الطائر سمته العرب عليه اسم حمامة .
( قال ) وقد كان من الشافعي العرب من يقول حمام الطائر ناس الطائر أي يعقل عقل الناس وذكرت العرب الحمام في أشعارها : فقال الهذلي :
وذكرني بكاي على تليد حمامة أن تجاوبت الحماما
وقال الشاعر :أحن إذا حمامة بطن وج تغنت فوق مرقبة حنينا
إني تذكرني الزبير حمامة تدعو بمدفع رامتين هديلا
وقفت على الرسم المحيل فهاجني بكاء حمامات على الرسم وقع
( قال ) فيقال فيما وقع عليه اسم الحمام من الطائر ، فيه شاة لهذا الفرق باتباع الخبر عمن سميت في حمام الشافعي مكة ولا أحسبه يذهب فيه مذهب أشبه بالفقه من هذا المذهب ، ومن ذهب هذا المذهب انبغى أن يقول ما لم يقع عليه اسم حمامة مما دونها أو فوقها ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه