[ ص: 119 ] كتاب الحج باب فرض الحج على من وجب عليه الحج أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال أخبرنا قال : محمد بن إدريس الشافعي خاصة في كتاب الله تعالى ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله عز وجل الحج في غير موضع من كتابه فحكى أنه قال أصل إثبات فرض الحج لإبراهيم عليه السلام { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } ، وقال تبارك وتعالى : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } مع ما ذكر به الحج .
( قال ) : والآية التي فيها بيان فرض الحج على من فرض عليه قال الله جل ذكره { الشافعي : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } وقال { : وأتموا الحج والعمرة لله } وهذه الآية موضوعة بتفسيرها في العمرة .
( قال ) : أخبرنا الشافعي عن سفيان بن عيينة ابن أبي نجيح عن عكرمة قال لما نزلت { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } الآية قالت اليهود : فنحن مسلمون فقال الله تعالى لنبيه فحجهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : حجوا فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله جل ثناؤه : { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } قال عكرمة : من كفر من أهل الملل فإن الله غني عن العالمين وما أشبه ما قال عكرمة بما قال والله أعلم ; لأن هذا كفر بفرض الحج وقد أنزله الله .
والكفر بآية من كتاب الله كفر ( أخبرنا ) : مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن قال : قال ابن جريج في قول الله عز وجل { مجاهد ومن كفر } قال هو ما إن حج لم يره برا ، وإن جلس لم يره إثما [ ص: 120 ] كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج .
( قال ) : ومن كفر بآية من كتاب الله كان كافرا وهذا إن شاء الله كما قال الشافعي : وما قال مجاهد عكرمة فيه أوضح ، وإن كان هذا واضحا .
( قال ) : فعم فرض الحج كل بالغ مستطيع إليه سبيلا ، فإن قال قائل : فلم لا يكون غير البالغ إذا وجد إليه سبيلا ممن عليه فرض الحج ؟ قيل : الاستدلال بالكتاب والسنة قال الله جل ذكره : { الشافعي وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } يعني الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في إيذانهم في الاستئذان إذا بلغوا قال الله تعالى { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى يجتمع البلوغ معه وفرض الله الجهاد في كتابه ثم أكد اليقين { حريصا على أن يجاهد وأبوه حريص على جهاده وهو ابن أربع عشرة سنة فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم عام بعبد الله بن عمر أحد ثم أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغ خمس عشرة سنة عام الخندق } ورسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله ما أنزل جملا من إرادته جل شأنه فاستدللنا بأن الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين وصنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد مع ببضعة عشر رجلا كلهم في مثل سنه ابن عمر
( قال ) : فالحج واجب على البالغ العاقل والفرائض كلها ، وإن كان سفيها وكذلك الحدود ، فإذا الشافعي أجزأ عنه ولم يكن عليه أن يعود لحجة أخرى إذا صار رشيدا وكذلك المرأة البالغة ( قال ) : وفرض الحج زائل عمن بلغ مغلوبا على عقله ; لأن الفرائض على من عقلها وذلك أن الله عز وجل خاطب بالفرائض من فرضها عليه في غير آية من كتابه ولا يخاطب إلا من يعقل المخاطبة وكذلك الحدود ، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك على ما دل عليه كتاب الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { حج بالغا عاقلا } ، فإن كان يجن ويفيق فعليه الحج ، فإذا حج مفيقا أجزأ عنه ، وإن رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ لم يجز عنه الحج وعلى ولي السفيه البالغ أن يتكارى له ويمونه في حجه ; لأنه واجب عليه ولا يضيع السفيه من الفرائض شيئا وكذلك ولي السفيهة البالغة حج في حال جنونه