4385 - حدثنا ، قال : ثنا ربيع المؤذن شعيب بن الليث ، قال : ثنا ، عن الليث ، عن بكير أبي مرة مولى عقيل ، عن حكيم بن عقال ، قال : : ( ما يحرم علي من امرأتي إذا حاضت ؟ ) قالت : فرجها عائشة سألت .
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .
وأما وجهه من طريق النظر ، فإنا رأينا المرأة قبل أن تحيض ، لزوجها أن يجامعها في فرجها ، وله منها ما فوق الإزار ، وما تحت الإزار أيضا .
ثم إذا حاضت ، حرم عليه الجماع في فرجها ، وحل له منها ما فوق الإزار باتفاقهم .
واختلفوا فيما تحت الإزار على ما ذكرنا ، فأباحه بعضهم ، فجعل حكمه حكم ما فوق الإزار ، ومنع منه بعضهم ، فجعل حكمه حكم الجماع في الفرج .
فلما اختلفوا في ذلك وجب النظر ، لنعلم أي الوجهين هو أشبه به ، فيحكم له بحكمه ؟
[ ص: 39 ] فرأينا الجماع في الفرج ، يوجب الحد والمهر والغسل ، ورأينا الجماع فيما سوى الفرج لا يوجب من ذلك شيئا ، ويستوي في ذلك حكم ما فوق الإزار ، وما تحت الإزار .
فثبت بما ذكرنا أن حكم ما تحت الإزار أشبه بما فوق الإزار منه بالجماع في الفرج .
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو في حكم الحائض ، فيكون حكمه حكم الجماع فوق الإزار ، لا حكم الجماع في الفرج .
وهذا قول رحمة الله عليه ، وبه نأخذ . محمد بن الحسن
قال رضي الله عنه : ثم نظرت بعد ذلك في هذا الباب ، وفي تصحيح الآثار فيه ، فإذا هي تدل على ما ذهب إليه أبو جعفر رحمة الله عليه ، لا على ما ذهب إليه أبو حنيفة محمد .
وذلك أنا وجدناها على ثلاثة أنواع :
فنوع منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حيض فوق الإزار ، فلم يكن في ذلك دليل على منع المحيض من المباشرة تحت الإزار ، لما قد ذكرناه في موضعه من هذا الباب .
ونوع آخر منها ، وهو ما روى عمير مولى عمر ، عن عمر رضي الله تعالى عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما ذكرناه في موضعه .
فكان في ذلك دليل على المنع من جماع الحيض تحت الإزار ؛ لأن ما فيه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكره ما فوق الإزار ، فإنما هو جواب لسؤال عمر رضي الله تعالى عنه إياه : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ فقال : له ما فوق الإزار ، فكان ذلك جواب سؤاله ، لا نقصان فيه ولا تقصير .
ونوع آخر ما هو ، ما روي عن أنس رضي الله تعالى عنه ، على ما قد ذكرناه عنه ، فذلك مبيح لإتيان الحيض دون الفرج ، وإن كان تحت الإزار .
فأردنا أن ننظر أي هذين النوعين تأخر عن صاحبه ، فنجعله ناسخا له ؟
فنظرنا في ذلك ، فإذا حديث أنس فيه إخبار عما كانت اليهود عليه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بخلافهم ، قد روينا ذلك ، عن رضي الله عنهما في كتاب ( الجنائز ) ، وكذلك أمره الله تعالى في قوله : ابن عباس أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده .
فكان عليه اتباع من تقدمه من الأنبياء حتى يحدث له شريعة تنسخ شريعته .
فكان الذي نسخ ما كانت اليهود عليه من اجتناب كلام الحائض ومؤاكلتها والاجتماع معها في بيت ، هو ما هو في حديث أنس رضي الله عنه ، لا واسطة بينهما .
ففي حديث أنس رضي الله عنه هذا إباحة جماعها فيما دون الفرج .
[ ص: 40 ] وكان الذي في حديث عمر الإباحة لما فوق الإزار ، والمنع ما تحت الإزار .
فاستحال أن يكون ذلك متقدما لحديث أنس رضي الله عنه إذا كان حديث أنس رضي الله عنه هو الناسخ لاجتناب الاجتماع مع الحائض ، ومؤاكلتها ومشاربتها .
فثبت : أنه متأخر عنه ، وناسخ لبعض الذي أبيح فيه .
فثبت بذلك ما ذهب إليه رحمة الله عليه من هذا بتصحيح الآثار ، وانتفى ما ذهب إليه أبو حنيفة محمد رحمة الله عليه .