5487 ص: ففي هذه الآثار عن رسول الله -عليه السلام- إباحة فقد ثبت القول بذلك من طريق الآثار، ثم التمسنا حكم ذلك من طريق النظر لنعلم كيف هو؟ فرأينا أصحاب رسول الله -عليه السلام- اختلفوا في بيع الشعير بالحنطة مثلين بمثل، فقال بعضهم: هي نصف صاع لكل مسكين، وقال بعضهم: هي مد لكل مسكين، فكان الذين جعلوها من الحنطة نصف صاع يجعلونها في الشعير صاعا، وكان الذين جعلوها من الحنطة مدا يجعلونها من الشعير مدين، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده عنهم في غير هذا الموضع. كفارة اليمين من الحنطة، كيف هو؟
فثبت بذلك أنهما نوعان مختلفان؛ لأنهما لو كانا من نوع واحد إذن لأجزى من أحدهما ما يجزي عن الآخر.
فإن قال قائل: إنه إنما زيد في الشعير على ما جعل في ذلك من الحنطة لغلو الحنطة واتضاع الشعير.
فالجواب له في ذلك: أنا رأينا ما يعطى من جيد الحنطة ومن رديئها في كفارة الأيمان سواء، وكذلك الشعير، ألا ترى أن من وجبت عليه كفارة يمين فأعطى كل مسكين نصف مد يساوي نصف صاع، أن ذلك لا يجزئه من نصف صاع ولا من مد، فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان الشعير يؤدى في كفارات الأيمان مثلي ما يؤدى من الحنطة؛ ثبت أنه نوع خلاف الحنطة، فثبت بذلك أنه لا بأس ببيعه بالحنطة مثلين بمثل وأكثر من ذلك، وهذا قول ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
[ ص: 353 ]