4536 ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن وبذلك حكم الله لها في كتابه فقال: المطلقة طلاقا بائنا وهي حامل من زوجها أن لها النفقة على زوجها، وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فاحتمل أن تكون تلك النفقة جعلت على المطلق؛ لأنه يكون عنها ما يغذي الصبي في بطن أمه، فيجب ذلك عليه لولده كما يجب عليه أن يغذيه في حال رضاعه بالنفقة على من ترضعه وتوصل الغذاء إليه، ثم يغذيه بعد ذلك بما يغذى به مثله من الطعام والشراب، فيحتمل أيضا إذا كان حملا في بطن أمه أن يجب على أبيه غذاؤه بما يغذى به مثله في حاله تلك من النفقة على أمه؛ لأن ذلك يوصل الغذاء إليه.
ويحتمل أن تكون تلك النفقة إنما جعلت للمطلقة خاصة لعلة العدة لا لعلة الولد الذي في بطنها، فإن كانت النفقة على الحامل إنما جعلت لها لمعنى العدة؛ ثبت قول الذين قالوا: للمبتوتة النفقة والسكنى حاملا كانت أو غير حامل.
[ ص: 141 ] وإن كانت العلة التي لها وجبت النفقة هي الولد فإن ذلك لا يدل على أن النفقة واجبة لغير الحامل، فاعتبرنا ذلك لنعلم كيف الوجه فيما أشكل من ذلك، فرأينا الرجل يجب عليه أن ينفق على ابنه الصغير في رضاعه حتى يستغني عن ذلك، وينفق عليه بعد ذلك ما ينفق على مثله ما كان الصبي محتاجا إلى ذلك، فإن كان غنيا بمال له قد ورثه من أمه أو قد ملكه بوجه سوى ذلك من هبة أو غيرها لم يجب على أبيه أن ينفق عليه من ماله، وأنفق عليه مما ورث أو مما وهب له، فكان إنما ينفق عليه من ماله لحاجته إلى ذلك، فإذا ارتفع ذلك لم يجب عليه الإنفاق عليه من ماله، ولو أنفق عليه الأب من ماله على أنه فقير إلى ذلك بحكم القاضي له عليه، ثم علم أن الصبي قد كان وجب له مال قبل ذلك بميراث أو غيره، كان للأب أن يرجع بذلك المال الذي أنفقه في مال الصبي الذي وجب له بالوجه الذي ذكرنا.
وكان الرجل إذا طلق امرأته وهي حامل، فحكم القاضي لها عليه بالنفقة فأنفق عليها حتى وضعت ولدا حيا وقد كان له أخ من أمه مات قبل ذلك فورثه الولد وأمه حامل به لم يكن للأب -في قولهم جميعا- أن يرجع على ابنه بما كان أنفق على أمه بحكم القاضي لها عليه بذلك إذا كانت حاملا به، فثبت بذلك أن النفقة على المطلقة الحامل هي لعلة العدة التي هي فيها من الذي طلقها، لا لعلة ما هي به حامل منه.
فلما كان ما ذكرناه ثبت أن كل معتدة من طلاق فلها من النفقة مثل ما للمعتدة من الطلاق إذا كانت حاملا قياسا ونظرا على ما ذكرناه مما وصفنا وبينا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.