الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4472 ص: وفي منع النبي -عليه السلام- ابن عمر ، أن يطلق امرأته بعد الطلاق الأول حتى يكون بعد ذلك حيضة مستقبلة فتكون بين التطليقتين حيضة مستقبلة دليل أن حكم الطلاق في السنة ألا يجمع منه تطليقتان في طهر واحد، فافهم ذلك فإنه قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه إشارة وتنبيه على فائدة تستنبط من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وهي خفية لا تظهر إلا لمن له بصيرة نفاذة وقريحة وقادة؛ فلذلك نبه على ذلك بقوله: "فافهم"، وهذه الفائدة هي التي تستفاد من منع النبي -عليه السلام- عبد الله بن عمر أن يطلق امرأته بعد طلاقه الأول وهي حائض حتى يكون بعد الطلاق الأول حيضة مستقبلة، ففي هذا دليل على أن حكم الطلاق في السنة ألا يجمع بين تطليقتين في طهر واحد.

                                                فإن قيل: كيف يفهم ذلك من هذا الحديث؟

                                                قلت: لأن الحيضة التي وقع فيها الطلاق غير محسوبة من العدة، فكان إيقاع الطلاق فيها كإيقاعه في الطهر الذي يليها، ثم إنه -عليه السلام- أمره ألا يطلق بعد ذلك حتى تكون حيضة مستقبلة، فظهر من هذا أنه لو طلقها قبل الحيضة المستقبلة يكون موقعا [ ص: 43 ] تطليقتين في طهر واحد، فلو لم يكن هذا مكروها لما منعه -عليه السلام- أن يطلقها بعد الطلاق الأول قبل الحيضة المستقبلة فلما منع من ذلك علمنا أن إيقاع الطلقتين في طهر واحد مكروه بالمعنى الذي ذكرناه، فافهم؛ فإنه موضع يحتاج إلى دقة نظر.

                                                قوله: "فإنه قول أبي حنيفة" أي فإن ما ذكرنا من الطلاق في السنة ألا يجمع منه تطليقتان في طهر واحد قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله- ثم اعلم أن الحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحتسب في العدة كما ذكرنا، وهو مذهب أبي قلابة والزهري وقتادة والليث وشريح والشعبي وطاوس وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن دينار وجابر بن زيد ومحمد بن سيرين ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في "مصنفه" بأسانيد جياد، وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقول: تعتد بتلك الحيضة. والله أعلم.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية