4196 ص: وإن كان ذلك يؤخذ من طريق النظر: فإنا قد رأينا الذين يذهبون إلى حديث جابر يقولون: إن الحرمة التي تجب على باعث الهدي بتقليده إياه وإشعاره، فيحل عنه إذا حل الناس بغير فعل يفعله هو فيحل به، فأردنا أن ننظر في الإحرام المتفق عليه، هل هو كذلك أم لا؟ فرأينا الرجل إذا أحرم بحج أو عمرة فقد صار محرما إحراما متفقا عليه، ورأيناه غير خارج من ذلك الإحرام إلا بأفعال يفعلها فيحل بها منه ولا يحل بغيرها، ألا ترى أنه إذا كان حاجا فلم يقف بعرفة ، حتى مضى
[ ص: 305 ] وقتها أن الحج قد فاته ولا يحل إلا بفعل يفعله من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ، والحلق أو التقصير، ولو وقف بعرفة ، وفعل جميع ما يفعله الحاج غير الطواف الواجب لم يحل له النساء أبدا حتى يطوف الطواف الواجب؟ وكذلك العمرة لا يحل منها أبدا إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ، والحلق الذي يكون منه بعد ذلك، فكانت هذه أحكام الإحرام المتفق عليه لا يخرجه منه مرور مدة، وإنما يخرجه منه الأفعال، وكان لم يحل حتى يفرغ من حجه وينحر الهدي، وكانت هذه حرمة زائدة بسبب الهدي، لأنه لولا الهدي لكان إذا طاف لعمرته وسعى حلق وحل له، فإنما منعه من ذلك الهدي الذي ساقه، ثم كان إحلاله من تلك الحرمة أيضا إنما يكون بفعل يفعله لا بمرور وقت، فكانت هذه أحكام الإحرام المتفق عليه لا يخرج منها بمرور الأوقات ولا بأفعال غيره ولكن بأفعال يفعلها هو، وكان من بعث بهدي وأمر أن يقلد أو يشعر فوجب عليه بذلك التجريد، في قول من يوجب ذلك يحل من تلك الحرمة ، لا بفعل يفعله ولكن في وقت ما يحل الناس، فخالف ذلك الإحرام المتفق عليه، فلم يجب ثبوته كذلك لأنه إنما تثبت الأشياء المختلف فيها إذا اشتبهت الأشياء المجتمع عليها، فإذا كانت غير مشتبهة لم تثبت إلا أن يكون معها التوقيف الذي تقوم به الحجة، فيجب القول بها لذلك، فإذا وجب ذلك انتفى الخلاف، فثبت بما ذكرنا صحة قول من ذهب إلى حديث من أحرم بعمرة وساق الهدي وهو يريد التمتع، وطاف لعمرته وسعى، -رضي الله عنها- وفساد قول من خالف ذلك إلى حديث عائشة جابر بن عبد الله -رضي الله . عنه- وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.