798 ( وعن الزهري قال : أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال ) .

التالي السابق

الشرح

هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ : " شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ " وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا ، فَالْمُطَوَّلُ هُوَ الَّذِي سَبَقَ قَبْلَهُ الَّذِي اسْتَعَاذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّهِ فِيهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ ، وَهَاهُنَا اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَهَاهُنَا زِيَادَةُ ذِكْرِ السَّمَاعِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَدْعُو بِهِ الْإِنْسَانُ فِي صَلَاتِهِ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ : لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ إِلَّا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ ، أَوِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَطَاوُوسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ : يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ مِمَّا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا . وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بِفَرْضِيَّةِ التَّعَوُّذِ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ; لِمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَهُ بِإِعَادَةِ صَلَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْعُ بِهَا فِيهَا .

هذا عطف على قوله : " شعيب ، عن الزهري " وأشار به إلى أن الزهري روى الحديث المذكور مطولا ومختصرا ، فالمطول هو الذي سبق قبله الذي استعاذ - صلى الله عليه وسلم - بالله فيه من الأشياء المذكورة ، وهاهنا اقتصر على الاستعاذة من فتنة الدجال ، وهاهنا زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله تعالى عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فيما يدعو به الإنسان في صلاته ، فعند أبي حنيفة وأحمد : لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة ، أو الموافقة للقرآن العظيم لقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " . رواه مسلم وذكره ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وطاووس ومحمد بن سيرين ، وقال الشافعي ومالك : يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين مما يشبه كلام الناس ، ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما . وقال ابن حزم بفرضية التعوذ الذي في حديث عائشة ; لما ذكر مسلم عن طاووس أنه أمر ابنه بإعادة صلاته التي لم يدع بها فيها .