الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وللكبار القود قبل كبر الصغار ) يعني إذا كان القصاص مشتركا بأن قتل رجل وله أولاد كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا القاتل قبل أن يبلغ الصغار ، وهذا عند أبي حنيفة وقالا ليس لهم ذلك حتى يبلغ الصغار ; لأن القصاص مشترك بينهم ; ولأن الكبار ليس لهم ولاية على الصغار حتى يستوفوا حقهم فتعين التأخير كما لو كان الكل كبارا وفيهم كبير غائب أو كان أحد الوليين غائبا في العبد المشترك بخلاف ما إذا عفا الكبير حيث صح عفوه ، وإن بطل حق الصغير في القصاص ، فإنه بطل بعوض فجعل كلا بطلان ولأبي حنيفة ما روى أن عبد الرحمن بن ملجم حين قتل عليا قتل به ، وكان في أولاد علي صغار ، وكان بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع ; ولهذا لو استوفى بعض الأولياء القتل بنفسه لا يضمن شيئا ، ولو لم يكن له ذلك لضمن كما لو قتل من وجب عليه القصاص أجنبي فافترقا وبخلاف ما إذا كان بين الموليين وأحدهما صغير ; لأن سبب الملك أو الولاء ، وهو غير متكامل وفي مسألتنا القرابة ، وهي متكاملة قال الشارح ; ولأنه حق لا يتجزأ ; لأن سببه ، وهي القرابة لا تتجزأ أقول : في تمام الاستدلال بعدم تجزؤ سبب القصاص ، وهو القرابة على عدم تجزؤ القصاص نفسه فيه خفاء ; لأن العقل لا يجد محذورا في كون السبب بسيطا والمسبب مركبا كيف والظاهر أن القرابة التي لا تتجزأ كما أنها سبب لاستحقاق القصاص في القتل العمد كذلك هي سبب أيضا لاستحقاق الدية في القتل الخطأ مع أنه لا شك أن الدية تتجزأ ; لأنها مال ، والمال يتجزأ بلا ريب ، فالأظهر في بيان كون القصاص حقا لا يتجزأ ما ذكر في الكافي ومعراج الدراية تقرير دليل الإمامين ، وهو أن القتل غير متجزئ ثم إن بعض الفضلاء طعن في قولهم هاهنا إن سبب القصاص هو القرابة حيث قال كيف يكون سببه القرابة ، وهو يثبت للزوج والزوجة ا هـ .

                                                                                        أقول : نعم السبب للزوج والزوجة هو الزوجية وفي العتق والمعتقة هو الولاء دون القرابة إلا أن الظاهر أن قولهم هاهنا ، وهو القرابة إما بناء على التغليب ليكون أولياء القتل في الأكثر قرابة ، وإما بناء على أنهم أرادوا بالقرابة هاهنا الاتصال الموجب للإرث دون حقيقة القرابة فيعم الكل وقيدنا محل الخلاف بكون القصاص بين الأخوين فلو كان بين الأب [ ص: 343 ] والأولاد الصغار أو بيت الجد والأولاد الصغار فللأب والجد أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي الجامع هذه المسألة على وجهين إما أن يكون القتل عمدا أو خطأ ، فإن كان خطأ ، فإن كان الشريك الكبير أبا الصغير كان له أن يستوفي جميع الدية حصة نفسه بحكم الملك وحصة الصغير بحكم الولاية ، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما ولم يك وصيا للصغير يستوفي حصة نفسه ولا يستوفي حصة الصغير ، وإن كان القتل عمدا إن كان الشريك الكبير أبا كان له أن يستوفي القصاص بالإجماع ، وإن كان الشريك الكبير أجنبيا بأن قتل عبد ، وهو مشترك بين أجنبيين أحدهما صغير والآخر كبير ليس للأجنبي أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي المنتقى إلا أن يكون الصغير ابنا فيستوفى حينئذ ، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما فعلى قول أبي حنيفة له أن يستوفي القصاص قبل بلوغ الصغير وعلى قولهما ليس له ذلك حتى يبلغ الصغير ، وعلى ، هذا الاختلاف إذا كان الشريك الكبير معتوها أو مجنونا والكبير أخو المعتوه أو عمه وأراد السلطان أن يستوفي حصة الصغير مع الكبير لا شك أن على قول أبي حنيفة له ذلك ، وأما على قولهما ليس له ذلك وأجمعوا على أن القصاص إذا كان كله للصغير ليس للأخ الكبير ولاية الاستيفاء والعبد المشترك بين صغير وكبير إذا قتل عمدا حتى وجب القصاص فأراد الكبير أن يستوفي القصاص بعض مشايخنا قال إنه على الخلاف وبعضهم قال لا يستوفيه الكبير بالإجماع رجل له عبدان قتل أحدهما الآخر عمدا فللولي أن يستوفي القصاص من القاتل ذكره محمد في آخر إعتاق الأصل في باب جناية الرقيق قال رحمه الله ( وإن قتله بمر يقتص إن أصابه الحديد وإلا لا كالخنق والتغريق ) ، هذا إذا أصابه بحد الحديد من غير خلاف ، وإن أصابه بظهرها أو بالعود لا كالخنق والتغريق فهو على الخلاف الذي ذكرناه في أول الباب والمر عود في طرفها حديدة قال العيني المر بفتح الميم وتشديد الراء ، وهو خشبة طويلة في رأسها حديدة عريضة من فوقها خشبة عريضة يضع الرجل رجله عليها ويحفر بها الأرض وبالفارسية تسمى بيل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية