قال رحمه الله ( أو ) يعني يصح هذا العقد للآخر إذا سمى قدرا من الخمر معينا ; لأن الخمر عندهم مال متقوم كالعصير في حق المسلم فيصح تسميته إذا كان معلوما واحترز بقوله عبده الكافر عن عبده المسلم فإنه يقع فاسدا وتجب القيمة على ما بينا فيما إذا كان المولى مسلما أطلق في الكلام فشمل الذمي والمستأمن والحربي ولا فرق في الذمي بين أن يكون في دارنا أو في دار الحرب حيث دخل غير مهاجر ; لأنه من أهل دارنا فتجري عليه أحكامنا والمستأمن ما دام في دارنا تجري عليه أحكامنا وإنما محل النظر لو كاتب كافر عبده الكافر على خمر فالظاهر أنه يعتق أخذا من قولهم لنا أن نحتال على مال الحربي بأي وجه كان يرضاه ولا يخفى أن الخنزير هنا كالخمر في الحكم فيه . كاتب الحربي عبده المسلم في دار الحرب على خمر أو خنزير فأدى ذلك
قال رحمه الله ( وإن أسلم فله قيمة الخمر ) ; لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكه وفي تسليم عين الخمر تمليكها وتملكها إذا كان المولى يملكها قبل التسليم لكونها موصوفة في الذمة والقبض يرد على معين فيكون غير ما ورد عليه العقد فيكون تمليكا من العبد وتملكا من المولى في الحال عوضا عما في الذمة فلا يجوز في حق المسلم فعجز عن تسليم الخمر فوجب المصير إلى القيمة لقيامها مقام المسمى والكتابة باقية على حالها بخلاف ما إذا حيث يفسد البيع عند البعض ; لأن العقد يقع على ما يصلح بدلا ففي الكتابة تصلح القيمة بدلا فيما إذا كاتبه على وصف أو نحوه ولهذا يجبر المولى على قبول القيمة والبيع لا ينعقد على القيمة صحيحا أصلا فكذا لا يبقى عليها قيدنا أصل المسألة بأن الخمر غير معين ; لأنه لو كان الخمر معينا فقد ملكه بمجرد العقد والتسليم نقل من يد إلى يد والمسلم غير ممنوع من وضع يده على الخمر . باع ذمي من ذمي بخمر ، ثم أسلم أحدهما قبل القبض
ألا ترى أن فله أن يسترد الخمر من [ ص: 51 ] الغاصب ولا يمنع منه في هذه الحالة فإذا أسلم لا ينتقل إلى القيمة وله الخمر لا غير قيد المسألة بالخمر ولم يتعرض للخنزير فنقول لو المسلم إذا غصب خمرا من ذمي فأسلم الذمي ملكه بمجرد العقد فإذا أسلم أحدهما قبل القبض لا ينتقل إلى القيمة ، بل له الخنزير المعين والمسلم لا يمنع من وضع يده عليه كما لو كاتبه على خنزير معين فله أن يرده من يد الغاصب فلو كان الخنزير غير معين فأسلم أحدهما ينتقل إلى قيمة نفس المكاتب أخذا من قولهم قيمة القيمي تقوم مقام عينه ، وهذا من خواص هذا الكتاب والحمد لله الذي هدانا لهذا قال رحمه الله ( وعتق بقبضها ) يعني يعتق بقبض قيمة الخمر ; لأن الكتابة عقد معاوضة وسلامة أحد العوضين لأحدهما توجب سلامة العوض للآخر ، وإذا أدى الخمر عتق أيضا لتضمن الكتابة تعلقا بأداء الخمر كما إذا كاتب المسلم عبده على خمر كما تقدم قال في الكافي هذا ذكره بعض المشايخ غصب الذمي خنزيرا فأسلم كالقاضي ظهير الدين الشيرازي ونجم الدين الأفطسي والسرخسي والنيسابوري وفي شرح الجامع الصغير وفي شرح الطحاوي والتمرتاشي .
ولو أدى الخمر لا يعتق ، ولو أدى القيمة يعتق ; لأن الكتابة انتقلت إلى القيمة ولم يبق الخمر بدلا في هذا العقد ; لأن العقد وقع صحيحا على الخمر ابتداء وبقي بعد الإسلام على قيمته صحيحا على حاله فخرج الخمر عن كونه بدلا فيه ضرورة وبأداء غير البدل لا يعتق بخلاف مسألة المسلم حيث يعتق بأداء الخمر ; لأن العقد فيه انعقد فاسدا فيعتق بأداء البدل المشروط لما فيه من معنى التعليق ويضمن لمولاه قيمة نفسه ، وقد تقدم فرق آخر وفرق في النهاية بفرق ثالث حيث قال فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين ما إذا كاتب المسلم عبده على الخمر ابتداء حيث يعتق العبد بأداء الخمر وإن وقع العقد فاسدا وفيما نحن فيه وهو ما إذا لا يعتق مع أن القياس ينبغي أن يعتق بأداء الخمر بالطريق الأولى ; لأن العقد في الابتداء تأكد انعقاده على الخمر قلت الفرق بينهما هو أن الكتابة في عقد المسلم على الخمر انعقدت مع الفساد فيعتق بأداء البدل المشروط لما فيه من معنى التعليق لما ذكرنا ويكون عليه قيمة نفسه ، وأما هاهنا فالكتابة انعقدت صحيحة على تقدير إذا بدل يصح أداؤه وقامت القيمة مقام الحجة ولم يوجد هاهنا معنى التعليق بأداء الخمر حتى تعتق بأداء الخمر إلى هذا أشار كاتب النصراني عبده الكافر على خمر ، ثم أسلم أحدهما ، ثم أدى الخمر الإمام التمرتاشي في الجامع الصغير ا هـ . والله تعالى أعلم .