( قوله لا تقبل وبعده تقبل ) لوجود التناقض في الوجه الأول ; لأنه يدعي الشراء بعد الهبة وشهوده يشهدون له به قبلها وهو تناقض ظاهر لا يمكن التوفيق ومرادهم التناقض بين الدعوى والبينة وإلا فالمدعي لا تناقض منه ; لأنه ما ادعى الشراء سابقا على الهبة وفي الوجه الثاني أمكن التوفيق بينهما إذ الشراء وجد بعد وقت الهبة وفي قوله جحدني الهبة إشارة إلى أنه لا بد من توفيقه وجزم الشارح بعدم اشتراطه للإمكان وعدمه ولا خصوصية لهذه المسألة بل في كل موضع حصل التناقض من المدعي أو منه ومن شهوده أو من المدعى عليه فهل يكفي إمكان التوفيق لدفعه أو لا بد منه أو فيه تفصيل أقوال أربعة قال في البزازية اختار ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت فسئل البينة فقال جحدنيها فاشتريتها وبرهن على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة شيخ الإسلام أن إمكان التوفيق يكفي وذكر بكر وفي شرح الجامع الكبير أيضا أن التوفيق بالفعل شرط في الاستحسان والقياس الاكتفاء بإمكانه قال بكر ذكر التوفيق في البعض ولم يذكر في البعض فيحمل السكوت على المذكور . ومحمد
وذكر الخجندي واختار أن التناقض إن من المدعي فلا بد من التوفيق بالفعل ولا يكفي الإمكان وإن من المدعى عليه يكفي الإمكان ; لأن الظاهر عند الإمكان وجوده والظاهر [ ص: 35 ] حجة في الدفع لا في الاستحقاق والمدعي مستحق والمدعى عليه دافع والظاهر يكفي في الدفع لا في الاستحقاق ويقال أيضا إن تعدد الوجوه لا يكفي الإمكان وإن اتحد يكفي الإمكان والتناقض كما يمنع الدعوى لنفسه يمنع الدعوى لغيره والتناقض يرتفع بتصديق الخصم وبرجوع المتناقض عن الأول بأن يقول تركته وادعى بكذا وبتكذيب الحاكم أيضا كمن تقبل عندنا ويرجع على المديون بما كفل ; لأنه صار مكذبا شرعا بالقضاء وكذا إذا استحق المشتري من المشترى بالحكم يرجع على البائع بالثمن وإن كان كل مشتر مقرا بالملك لبائعه لكنه لما حكم ببرهان المستحق صار مكذبا شرعا باتصال القضاء به . ا هـ . ادعى أنه كفل عن مديونه بألف فأنكر الكفالة وبرهن الدائن أنه كفل عن مديونه وحكم به الحاكم وأخذ المكفول له منه المال ثم إن الكفيل ادعى على المديون أنه كفل عنه بأمره وبرهن على ذلك
ثم اعلم أنهم اختلفوا في اشتراط كون الكلامين عند القاضي فمنهم من شرطه ومنهم من شرط كون الثاني عند القاضي فقط ذكر القولين عند البزازية ولم يرجح وينبغي ترجيح الثاني ومن التناقض ما إذا ادعاه مطلقا ثم بسبب فإذا برهن على السبب لم تقبل ولو ادعاه بالشراء ثم مطلقا ثم ادعى الشراء ثالثا تسمع كذا في البزازية وهذا يدل على أن المتناقض إذا ترك الكلام الأول وأعاد دعوى الثاني تقبل ثم اعلم أن التناقض كما يكون من متكلم واحد يكون من متكلمين كمتكلم واحد حكما كوارث ومورث ووكيل وموكل والأولى في البزازية ولم أر الآن الثانية صريحا وهي ظاهرة من الأولى ثم اعلم أن دعوى الهبة من غير قبض غير صحيحة فلا بد في دعواها من ذكر القبض ولهذا صور المسألة شراح الهداية بأنه وذكر ادعى أنه وهبها له وسلمها ثم غصبها منه العمادي اختلافا في الإقرار بالهبة أيكون إقرار بالقبض قيل نعم ; لأنه كقبول فيها والأصح لا وأشار المؤلف إلى أنه لو قبل وإلا فلا كما في خزانة الأكمل وفي منية المفتي ادعاها إرثا ثم قال جحدني فاشتريها وبرهن تقبل ا هـ . ادعى الشراء أولا ثم برهن على الهبة أو الصدقة فإن وفق فقال جحدني الشراء ثم وهبها مني أو تصدق
وقيد بذكر التاريخ لهما ; لأنه لو لم يذكر لهما تاريخا أو ذكر لأحدهما فقط يقبل لإمكان التوفيق بأن يجعل الشراء متأخرا وأشار المؤلف إلى مسائل من التناقض إحداها لو [ ص: 36 ] تقبل لإمكان التوفيق . ادعى الشراء من أبيه في حياته وصحته فأنكر ولا بينة فحلف ذو اليد فبرهن المدعي أنه ورثها من أبيه
ولو لا تقبل لعدمه ومنه ادعى الإرث أولا ثم الشراء لم يقبل برهانه وبطل القضاء ومنها برهن على أنه له بالإرث ثم قال لم يكن لي قط أو لم يزد قط لا تقبل كما لو ادعى أولا أنها وقف عليه ثم ادعاها لنفسه ولو ادعاها لغيره ثم لنفسه تقبل كما لو ادعى الملك أولا ثم الوقف كذا في البزازية وسيأتي إن شاء الله تعالى بقيتها في هذا الباب وفي كتاب الدعوى وقدمنا شيئا منها في باب الاستحقاق من البيوع وقد أسقط المؤلف من مسائل الهداية هنا مسألة قبل هذه للاكتفاء بذكرها في باب الاستحقاق وكررها في الهداية لاختلاف المقصود في كل موضع يعرف ذلك من نظر في الموضوعين . ادعاها لنفسه ثم لغيره