( باب زكاة المال )
ما تقدم أيضا زكاة مال ; لأن المال كما روي عن كل ما يتملكه الناس من نقد وعروض وحيوان وغير ذلك إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض وقدم الفضة على الذهب في بعض المصنفات اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قوله محمد ) ، وهو خمسة دراهم في المائتين ، ونصف مثقال في العشرين ، والعشر بالضم أحد الأجزاء [ ص: 243 ] العشرة يجب في مائتي درهم وعشرين مثقالا ربع العشر
وإنما وجب ربع العشر لحديث { مسلم } والأوقية أربعون درهما كما رواه ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ولحديث الدارقطني وغيره في الذهب وعبر علي المصنف بالوجوب تبعا في قوله الزكاة واجبة قالوا : لأن بعض مقاديرها وكيفياتها ثبتت بأخبار الآحاد للقدوري
وقد صرح السيد نكركان في شرح المنار أن مقادير الزكوات ثبتت بالتواتر كنقل القرآن وأعداد الركعات ، وهذا يقتضي كفر جاحد المقدار في الزكوات قيد بالنصاب ; لأن ما دونه لا زكاة فيه ولو كان نقصانا يسيرا يدخل بين الوزنين ; لأنه وقع الشك في كمال النصاب فلا يحكم بكماله مع الشك كذا في البدائع ( قوله : ولو تبرا أو حليا ) بيان لعدم الفرق بين المصكوك وغيره كالمهر الشرعي ، وفي غير الذهب والفضة لا تجب الزكاة ما لم تبلغ قيمته نصابا مصكوكا من أحدهما ; لأن لزومها مبني على المتقوم ، والعرف أن تقوم بالمصكوك ، وكذا نصاب السرقة احتيالا للدرء قال في ضياء الحلوم التبر الذهب والفضة قبل أن يصاغا ويعملا وحلي المرأة معروف وجمعه حلي وحلي بضم الحاء وكسرها قال تعالى { من حليهم } يقرأ بالواحد والجمع بضم الحاء وكسرها ا هـ .
والمراد بالحلي هنا ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة ، ولا يدخل الجوهر واللؤلؤ بخلافه في الأيمان فإنه ما تتحلى به المرأة مطلقا فتحنث بلبس اللؤلؤ أو الجوهر في حلفها لا تتحلى ولو لم يكن مرصعا على المفتى به
أحاديث في السنن منها { ودليل وجوب الزكاة في الحلي لما تزينت له بالفتخات أتؤدين زكاتهن قالت لا قال هو حسبك من النار لعائشة } والفتخات جمع فتخة ، وهي الخاتم الذي لا فص له ، وفي المعراج وأما قوله عليه الصلاة والسلام يختلف بين أداء الزكاة من عينها وبين أدائها من قيمتها مثلا حكم الزكاة في الحلي والأواني فلو زكى من عينه زكى ربع عشره ولو أدى من قيمته فعند له إناء فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة يعدل إلى خلاف جنسه ، وهو الذهب ; لأن الجودة معتبرة أما عند محمد لو أدى خمسة من غير الإناء سقطت عنه الزكاة ; لأن الحكم مقصور على الوزن فلو أدى من الذهب ما يبلغ قيمته قيمة خمسة دراهم من غير الإناء لم يجز في قولهم جميعا ; لأن الجودة متقومة عند المقابلة بخلاف الجنس فإن أدى القيمة وقعت عن القدر المستحق كذا في الإيضاح ، وفي البدائع : تجب الزكاة في الذهب والفضة مضروبا أو تبرا أو حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني وغيرها إذا كانت تخلص عن الإذابة سواء كان يمسكها للتجارة أو للنفقة أو للتجمل أو لم ينو شيئا . ا هـ . أبي حنيفة
( قوله : ثم في كل خمس بحسابه ) بضم الخاء المعجمة أحد الأجزاء الخمسة ، وهو أربعون من المائتين وأربعة مثاقيل من العشرين دينارا فيجب في الأول درهم ، وفي الثاني قيراطان أفاد المصنف أنه لا شيء فيما نقص عن الخمس فالعفو من الفضة بعد النصاب تسعة وثلاثون فإذا فعليه ستة ، والباقي عفو ، وهكذا ما بين الخمس إلى الخمس عفو في الذهب ، وهذا عند ملك نصابا وتسعة وسبعين درهما أبي حنيفة وقالا : يجب فيما زاد بحسابه من غير عفو لقوله عليه الصلاة والسلام { } وله قوله عليه السلام في حديث ، وفيما زاد على المائتين فبحسابه { معاذ } وقوله في حديث لا تأخذ من الكسور شيئا عمرو بن حزم { ليس فيما دون الأربعين صدقة } ولأن الحرج مدفوع ، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف ، وفي المعراج معنى الحديث الأول لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذ منه كسورا فسماه كسورا باعتبار ما يجب فيه وقيل من زائدة ، وفيه نوع تأمل ا هـ .
ومما ينبني على هذا الخلاف لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان عليه [ ص: 244 ] عشرة ، عنده وعندهما خمسة ; لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن فبقي السالم من الدين في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم فلا تجب فيه الزكاة وعنده لا زكاة في الكسور فيبقى السالم مائتين ففيها خمسة أخرى كذا في فتح القدير ويبتني على الخلاف أيضا الهلاك بعد الحول إن هلك عشرون من مائتي درهم بقي فيها أربعة دراهم عنده
وعندهما أربعة ونصف كذا في المعراج وذكر في المحيط ، ولا يضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى ليتم أربعين درهما أو أربعة مثاقيل عند ; لأنه لا تجب الزكاة في الكسور أبي حنيفة ، عنده وعندهما يضم لأنها تجب في الكسور ( قوله والمعتبر وزنهما أداء ووجوبا ) أما الأول ، وهو اعتبار الوزن في الأداء فهو قول وأبي يوسف وقال أبي حنيفة تعتبر القيمة وقال زفر يعتبر الأنفع للفقراء حتى لو محمد جاز عند الإمامين خلافا أدى عن خمسة دراهم جياد خمسة زيوفا قيمتها أربعة جياد لمحمد ولو وزفر لا يجوز إلا عند أدى أربعة جيدة قيمتها خمسة ردية عن خمسة ردية ولو زفر جاز عند هما ، وقال كان إبريق فضة وزنه مائتان وقيمته بصياغته ثلاثمائة إن أدى من العين يؤدي ربع عشره ، وهو خمسة قيمتها سبعة ونصف ، وإن أدى خمسة قيمتها خمسة محمد : لا يجوز إلا أن يؤدي الفضل فلو أدى من خلاف جنسه تعتبر القيمة بالإجماع وزفر
وأما الثاني ، وهو اعتبار الوزن في حق الوجوب دون العدد والقيمة فمجمع عليه حتى لو فلا زكاة فيها وكذا الذهب ، وفي البدائع : ولو كانت الفضة مشتركة بين اثنين فإن كان يبلغ نصيب كل واحد مقدار النصاب تجب الزكاة ، وإلا فلا ، ويعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال الانفراد ( قوله : وفي الدراهم وزن سبعة ، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل ) والمثقال ، وهو الدينار عشرون قيراطا والدرهم أربعة عشر قيراطا والقيراط خمس شعيرات أي المعتبر في الدراهم إلى آخره والأصل فيه أن الدراهم كانت مختلفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن كان له إبريق فضة وزنها مائة وخمسون وقيمتها مائتان أبي بكر رضي الله عنهما على ثلاث مراتب فبعضها كان عشرين قيراطا مثل الدينار وبعضها كان اثني عشر قيراطا ثلاثة أخماس الدينار وبعضها عشرة قراريط نصف الدينار فالأول وزن عشرة من الدنانير والثاني وزن ستة أي كل عشرة منه وزن ستة من الدنانير والثالث وزن خمسة أي كل عشرة منه وزن خمسة من الدنانير فوقع التنازع بين الناس في الإيفاء والاستيفاء فأخذ وعمر من كل نوع درهما فخلطه فجعله ثلاثة دراهم متساوية فخرج كل درهم أربعة عشر قيراطا فبقي العمل عليه إلى يومنا هذا في كل شيء في الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات وذكر في المغرب أن هذا الجمع والضرب كان في عهد عمر بني أمية
وذكر المرغيناني أن الدرهم كان شبيه النواة وصار مدورا على عهد فكتبوا عليه وعلى الدينار لا إله إلا الله عمر محمد رسول الله وزاد ناصر الدولة ابن حمدان صلى الله عليه وسلم وفي الغاية أن درهم مصر أربعة وستون حبة ، وهو أكبر من درهم الزكاة فالنصاب منه مائة وثمانون درهما وحبتان وتعقبه في فتح القدير بأن فيه نظرا على ما اعتبروه في درهم الزكاة ; لأنه إن أراد بالحبة الشعيرة فدرهم الزكاة سبعون شعيرة إذا كان العشرة وزن سبعة مثاقيل والمثقال مائة شعيرة فهو إذن أصغر لا أكبر ، وإن أراد بالحبة أنه شعيرتان كما وقع تفسيرها في تعريف السجاوندي فهو خلاف الواقع إذ الواقع أن درهم مصر لا يزيد على أربعة وستين شعيرة ; لأن كل ربع منه مقدر [ ص: 245 ] بأربع خرانيب والخرنوبة مقدرة بأربع قمحات وسط ا هـ .
وذكر الولوالجي أن الزكاة تجب في الغطارفة إذا كانت مائتين ; لأنها اليوم من دراهم الناس ، وإن لم تكن من دراهم الناس في الزمن الأول ، وإنما يعتبر في كل زمان عادة أهل ذلك الزمان ألا ترى أن مقدار المائتين لوجوب الزكاة من الفضة إنما تعتبر بوزن سبعة ، وإن كان مقدار المائتين في الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان بوزن خمسة ، وفي زمن رضي الله عنه بوزن ستة فيعتبر دراهم أهل كل بلد بوزنهم ، ودنانير كل بلد بوزنهم ، وإن كان الوزن يتفاوت ا هـ . عمر
وكذا في الخلاصة وعن ابن الفضل أنه كان يوجب في كل مائتي درهم بخارية خمسة منها ، وبه أخذ السرخسي واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون والمعراج والخانية وذكره في فتح القدير غير أنه قال بعده إلا أني أقول : ينبغي أن يقيد بما إذا كانت لهم دراهم لا تنقص عن أقل ما كان وزنا في زمنه عليه السلام ، وهي ما تكون العشرة وزن خمسة لأنها أقل ما قدر النصاب بمائتين منها حتى لا تجب في المائتين من الدراهم المسعودية الكائنة بمكة مثلا ، وإن كانت دراهم قوم وكأنه أعمل إطلاق الدراهم والأواقي في الموجود ، وما يمكن أن يوجد ويستحدث
( قوله : وغالب الورق ورق لا عكسه ) يعني أن الدراهم إذا كانت مغشوشة ، فإن كان الغالب هو الفضة فهي كالدراهم الخالصة ; لأن الغش فيها مستهلك لا فرق في ذلك بين الزيوف والنبهرجة وما غلب فضته على غشه تناوله اسم الدراهم مطلقا والشرع أوجب باسم الدراهم ، وإن غلب الغش فليس كالفضة كالستوقة فينظر إن كانت رائجة أو نوى التجارة اعتبرت قيمتها فإن بلغت نصابا من أدنى الدراهم التي تجب فيها الزكاة ، وهي التي غلبت فضتها وجبت فيها الزكاة وإلا فلا ، وإن لم تكن أثمانا رائجة ، ولا منوية للتجارة فلا زكاة فيها إلا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ مائتي درهم بأن كانت كثيرة ويتخلص من الغش ; لأن الصفر لا تجب الزكاة فيها إلا بنية التجارة ، والفضة لا يشترط فيها نية التجارة فإن كان ما فيها لا يتخلص فلا شيء عليه ; لأن الفضة فيه قد هلكت كذا في كثير من الكتب ، وفي غاية البيان الظاهر أن خلوص الفضة من الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن تكون في الدراهم فضة بقدر النصاب فأما الغطارفة فقيل يجب في كل مائتين منها خمسة منها عددا ; لأنها من أعز الأثمان والنقود عندهم
وقال السلف : ينظر إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة تجب الزكاة في قيمتها كالفلوس ، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها ; لأن ما فيها من الفضة مستهلك لغلبة النحاس عليها فكانت كالستوقة ، وفي البدائع وقول السلف أصح وحكم الذهب المغشوش كالفضة المغشوشة وقيد المصنف بالغالب لأن الغش والفضة لو استويا ففيه اختلاف واختار في الخانية والخلاصة الوجوب احتياطا ، وفي معراج الدراية وكذا لاتباع إلا وزنا ، وفي المجتبى المفهوم من كتاب الصرف أن للمساوي حكم الذهب والفضة ، ومما ذكر في الزكاة أنه لا يكون له حكم الذهب والفضة وقيدنا المخالط للورق بأن يكون غشا ; لأنه لو كان ذهبا فإن كانت الفضة مغلوبة فكله ذهب ; لأنه أعز وأغلى قيمة ، وإن كانت الفضة غالبة فإن بلغ الذهب نصابه ففيه زكاة الذهب ، وإن بلغت الفضة نصابها فزكاة الفضة ، وفي المغرب الغطريفية كانت من أعز النقود ببخارى منسوبة إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد .