[ ص: 115 ] سورة القمر
مكية كلها في قول الجمهور . وقال
مقاتل : إلا ثلاث آيات من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أم يقولون نحن جميع منتصر إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46والساعة أدهى وأمر ولا يصح على ما يأتي . وهي خمس وخمسون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر nindex.php?page=treesubj&link=29025قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر اقتربت : أي قربت مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=57أزفت الآزفة على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة ; لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى
قتادة عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866287خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : ما بقي من دنياكم [ ص: 116 ] فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيرا . وقال
كعب ووهب : الدنيا ستة آلاف سنة . قال
وهب : قد مضى منها خمسة آلاف سنة وستمائة سنة ؛ ذكره
النحاس .
ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1وانشق القمر أي وقد انشق القمر . وكذا قرأ
حذيفة " اقتربت الساعة وقد انشق القمر " بزيادة " قد " وعلى هذا الجمهور من العلماء ; ثبت ذلك في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره من حديث
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وأنس nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم . وعن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866288سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ، فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2سحر مستمر يقول ذاهب قال
أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866289انشق القمر فرقتين . وقال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد وهو منتظر ; أي : اقترب قيام الساعة وانشقاق القمر ; وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره . وكذا قال
القشيري . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ; لأنه آية والناس في الآيات سواء . وقال
الحسن : اقتربت الساعة فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1وانشق القمر أي وضح الأمر وظهر ; والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح ; قال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى حي سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
وقيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقا ; لانفلاق الظلمة عنه .
وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه كما قال
النابغة :
[ ص: 117 ] فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داع
قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق
بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها ; لأنها كانت آية ليلية ; وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي . فروي
أن حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبا من سب أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقينا في إيمانه . وقد تقدم في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=866291أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فلقتين كما في حديث
ابن مسعود وغيره . وعن
حذيفة أنه خطب
بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة ; قاله
ابن كيسان . وقد مر عن
الفراء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدم وتؤخر عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا هذا يدل على أنهم رأوا انشقاق القمر . قال
ابن عباس :
اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قبيس ونصف على قعيقعان ; فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فعلت تؤمنون قالوا : نعم ؟ وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما قالوا ; فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين : يا فلان يا فلان اشهدوا . وفي حديث
ابن مسعود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866293انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا من سحر ابن أبي كبشة ; سحركم فاسألوا السفار ; فسألوهم فقالوا : قد رأينا القمر انشق فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا أي إن يروا آية تدل على صدق
محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن
[ ص: 118 ] الإيمان
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2ويقولوا سحر مستمر أي ذاهب ; من قولهم : مر الشيء واستمر إذا ذهب ; قاله
أنس وقتادة ومجاهد والفراء nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبو عبيدة ، واختاره
النحاس . وقال
أبو العالية والضحاك : محكم قوي شديد ، وهو من المرة وهي القوة ; كما قال
لقيط :
حتى استمرت على شزر مريرته مر العزيمة لا قحما ولا ضرعا
وقال
الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدة فتله . وقيل : معناه مر من المرارة . يقال : أمر الشيء صار مرا ، وكذلك مر الشيء يمر بالفتح مرارة فهو مر ، وأمره غيره ومره . وقال
الربيع : مستمر نافذ . يمان : ماض .
أبو عبيدة : باطل . وقيل : دائم . قال
امرؤ القيس :
وليس على شيء قويم بمستمر
أي بدائم . وقيل : يشبه بعضه بعضا ; أي قد استمرت أفعال
محمد على هذا الوجه فلا يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات . وقيل : معناه قد مر من الأرض إلى السماء .
وكذبوا نبينا
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=3واتبعوا أهواءهم أي ضلالاتهم واختياراتهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=3وكل أمر مستقر أي يستقر بكل عامل عمله ، فالخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار . وقرأ
شيبة " مستقر " بفتح القاف ; أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدم وتأخر . وقد روي عن
أبي جعفر بن القعقاع "
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=3وكل أمر مستقر " بكسر القاف والراء جعله نعتا لأمر و " كل " على هذا يجوز أن يرتفع بالابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : وكل أمر مستقر في أم الكتاب كائن . ويجوز أن يرتفع بالعطف على الساعة ; المعنى : اقتربت الساعة وكل أمر مستقر ; أي : اقترب استقرار الأمور يوم القيامة . ومن رفعه جعله خبرا عن ( كل ) .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4ولقد جاءهم من الأنباء أي من بعض الأنباء ; فذكر سبحانه من ذلك ما علم أنهم يحتاجون إليه ، وأن لهم فيه شفاء . وقد كان هناك أمور أكثر من ذلك ، وإنما اقتص علينا ما علم أن بنا إليه حاجة وسكت عما سوى ذلك ; وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4ولقد جاءهم من الأنباء أي جاء هؤلاء الكفار من أنباء الأمم الخالية
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4ما فيه مزدجر أي ما يزجرهم عن الكفر لو قبلوه . وأصله مزتجر فقلبت التاء دالا ; لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور ، فأبدل من التاء دالا توافقها في المخرج وتوافق الزاي في الجهر . و " مزدجر " من الزجر وهو الانتهاء ، يقال : زجره وازدجره فانزجر وازدجر ، وزجرته أنا فانزجر أي كففته فكف ، كما قال :
فأصبح ما يطلب الغانيا ت مزدجرا عن هواه ازدجارا
وقرئ " مزجر " بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها ; حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=5حكمة بالغة يعني القرآن وهو بدل من " ما " من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4ما فيه مزدجر ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ; أي هو حكمة .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=5فما تغن النذر إذا كذبوا وخالفوا كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=101وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ف " ما " نفي أي : ليست تغني عنهم النذر . ويجوز أن يكون استفهاما بمعنى التوبيخ ; أي : فأي شيء تغني النذر عنهم وهم معرضون عنها ، و " النذر " يجوز أن تكون بمعنى الإنذار ، ويجوز أن تكون جمع نذير .
قوله تعالى : فتول عنهم أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=6يوم يدعو الداعي العامل في يوم
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7يخرجون من الأجداث أو خشعا أو فعل مضمر تقديره : واذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تول عنهم يا
محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون إلى شيء نكر وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدعو الداعي . وقرأ
ابن كثير " نكر " بإسكان الكاف ، وضمها الباقون وهما لغتان كعسر وعسر وشغل وشغل ، ومعناه الأمر الفظيع العظيم وهو يوم القيامة . والداعي هو
إسرافيل عليه السلام . وقد روي عن
مجاهد وقتادة أنهما قرأا " إلى شيء نكر " بكسر الكاف وفتح الراء على الفعل المجهول .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7خشعا أبصارهم الخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العز والذل يتبين في ناظر الإنسان ; قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=9أبصارها خاشعة وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي . ويقال : خشع واختشع إذا ذل . وخشع ببصره أي غضه . وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبو عمرو " خاشعا " بالألف ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد ، نحو : " خاشعا أبصارهم " والتأنيث نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=44خاشعة أبصارهم ويجوز الجمع نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7خشعا أبصارهم ، قال
الحارث بن دوس الإيادي :
وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد
[ ص: 120 ] و " خشعا " جمع خاشع والنصب فيه على الحال من الهاء والميم في " عنهم " فيقبح الوقف على هذا التقدير على " عنهم " . ويجوز أن يكون حالا من المضمر في " يخرجون " فيوقف على عنهم . وقرئ " خشع أبصارهم " على الابتداء والخبر ، ومحل الجملة النصب على الحال ، كقوله :
وجدته حاضراه الجود والكرم
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7يخرجون من الأجداث أي : القبور واحدها جدث .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=7كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي وقال في موضع آخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=4يوم يكون الناس كالفراش المبثوث فهما صفتان في وقتين مختلفين ; أحدهما : عند الخروج من القبور ، يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض ; فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض لا جهة له يقصدها ، الثاني : فإذا سمعوا المنادي قصدوه فصاروا كالجراد المنتشر ; لأن الجراد له جهة يقصدها .
و مهطعين معناه مسرعين ; قاله
أبو عبيدة . ومنه قول الشاعر :
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
الضحاك : مقبلين .
قتادة : عامدين .
ابن عباس : ناظرين .
عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت . والمعنى متقارب . يقال : هطع الرجل يهطع هطوعا إذا أقبل على الشيء ببصره لا يقلع عنه ; وأهطع إذا مد عنقه وصوب رأسه . قال الشاعر :
تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع
وبعير مهطع : في عنقه تصويب خلقة . وأهطع في عدوه أي أسرع .
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=8يقول الكافرون هذا يوم عسر يعني يوم القيامة لما ينالهم فيه من الشدة .