أصم عما ساءه سميع
وكذلك قوله - جل وعز -: " وعلى أبصارهم غشاوة " ؛ هي الغطاء؛ فأما قوله: " وعلى سمعهم " ؛ وهو يريد: " وعلى أسماعهم " ؛ ففيه [ ص: 83 ] ثلاثة أوجه؛ فوجه منها أن السمع في معنى المصدر؛ فوحد؛ كما تقول: " يعجبني حديثكم " ؛ و " يعجبني ضربكم " ؛ فوحد لأنه مصدر؛ ويجوز أن يكون لما أضاف السمع إليهم دل على معنى " أسماعهم " ؛ قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب
وقال الشاعر أيضا:
لا تنكري القتل وقد سبينا ... في حلقكم عظم وقد شجينا
معناه: في حلوقكم؛ وقال:
كأنه وجه تركيين قد غضبا ... مستهدف لطعان غير تذييب
أما " غشاوة " ؛ فكل ما كان مشتملا على الشيء فهو في كلام العرب مبني على " فعالة " ؛ نحو: " الغشاوة " ؛ و " العمامة " ؛ و " القلادة " ؛ و " العصابة " ؛ وكذلك أسماء الصناعات؛ لأن معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها؛ نحو: " الخياطة " ؛ [ ص: 84 ] و " القصارة " ؛ وكذلك على كل من استولى على شيء ما؛ استولى عليه الفعالة؛ نحو: " الحلاقة " ؛ و " الإمارة " ؛ والرفع في " غشاوة " ؛ هو الباب؛ وعليه مذهب القراء؛ والنصب جائز في النحو؛ على أن المعنى: " وجعل على أبصارهم غشاوة " ؛ كما قال الله - عز وجل - في موضع آخر -: وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ؛ ومثيله من الشعر مما حمل على معناه قوله:
يا ليت بعلك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا
معناه: متقلدا سيفا وحاملا رمحا؛ ويروى: " غشوة " ؛ والوجه ما ذكرناه؛ وإنما " غشوة " ؛ رد إلى الأصل؛ لأن المصادر كلها ترد إلى " فعلة " ؛ والرفع والنصب في " غشوة " ؛ مثله في " غشاوة " .