قال أبو إسحاق؛ إبراهيم بن السري الزجاج : هذا كتاب مختصر في إعراب القرآن؛ ومعانيه ، ونسأل الله التوفيق في كل الأمور.
قوله - عز وجل -: بسم الله الرحمن الرحيم : الجالب للباء معنى الابتداء ، كأنك قلت: " بدأت باسم الله الرحمن الرحيم " ، إلا أنه لم يحتج لذكر " بدأت " ؛ لأن الحال تنبئ أنك مبتدئ؛ وسقطت الألف من " باسم الله " ؛ في اللفظ؛ وكان الأصل: " باسم الله " ؛ لأنها ألف وصل؛ دخلت ليتوصل بها إلى النطق بالساكن؛ والدليل على ذلك أنك إذا صغرت الاسم؛ قلت " سمي " ؛ والعرب تقول: " هذا اسم " ، و " هذا اسم " ، و " هذا سم " ؛ قال الراجز:
باسم الذي في كل سورة سمه
[ ص: 40 ] و " سمه " ؛ أيضا؛ روى ذلك وغيره من النحويين ، فسقطت الألف لما ذكرنا؛ وكذلك قولك: " ابن " ؛ الألف فيه ألف وصل ، تقول في تصغيره: " بني " ؛ ومعنى قولنا " اسم " أنه مشتق من " السمو " ، و " السمو " : الرفعة ، والأصل فيه " سمو " ؛ بالواو؛ على وزن " جمل " ، وجمعه " أسماء " ، مثل " قنو " ؛ و " أقناء " ، و " حنو " ؛ و " أحناء " ؛ وإنما جعل الاسم تنويها باسم الله على المعنى; لأن المعنى تحت الاسم. أبو زيد الأنصاري؛
ومن قال: إن اسما مأخوذ من " وسمت " ؛ فهو غلط ، لأنا لا نعرف شيئا دخلته ألف الوصل وحذفت فاؤه ، أعني فاء الفعل ، نحو قولك " عدة " ؛ و " زنة " ؛ وأصله " وعدة " و " وزنة " ؛ فلو كان " اسم " ؛ " وسمة " ؛ لكان تصغيره إذا حذفت منه [ ص: 41 ] ألف الوصل " وسيم " ، كما أن تصغير " عدة " ؛ و " صلة " : " وعيدة " ، و " وصيلة " ، ولا يقدر أحد أن يرى ألف الوصل فيما حذفت فاؤه من الأسماء؛ وسقطت الألف في الكتاب من " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ ولم تسقط في اقرأ باسم ربك الذي خلق ؛ لأنه اجتمع فيها - مع أنها تسقط في اللفظ - كثرة الاستعمال.
وزعم أن معنى الباء الإلصاق ، تقول: " كتبت بالقلم " ؛ والمعنى أن الكتابة ملصقة بالقلم ، وهي مكسورة أبدا؛ لأنه - لا معنى لها إلا الخفض؛ فوجب أن يكون لفظها مكسورا؛ ليفصل بين ما يجر وهو اسم - نحو كاف قولك: " كزيد " - ، وما يجر وهو حرف - نحو " بزيد " - ، لأن أصل الحروف التي يتكلم بها؛ وهي على حرف واحد؛ الفتح أبدا؛ إلا أن تجيء علة تزيله؛ لأن الحرف الواحد لا حظ له في الإعراب ، ولكن يقع مبتدأ في الكلام؛ ولا يبتدأ بساكن؛ فاختير الفتح؛ لأنه أخف الحركات ، تقول: " رأيت زيدا وعمرا " ، فالواو مفتوحة ، وكذلك " فعمرا " ؛ الفاء مفتوحة ، وإنما كسرت اللام في قولك: " لزيد " ؛ ليفصل بين لام القسم؛ ولام الإضافة؛ ألا ترى أنك لو قلت: " إن هذا لزيد " ؛ علم أنه ملكه؛ ولو قلت: " إن هذا لزيد " ؛ علم أن المشار إليه هو زيد؟ فلذلك كسرت اللام في قولك " سيبويه لزيد " ؛ ولو قلت: " إن هذا المال لك " ، و " إن هذا لأنت " ؛ فتحت اللام؛ لأن اللبس قد زال. [ ص: 42 ] والذي قلناه في اللام هو مذهب سيبويه؛ ويونس ؛ والخليل ؛ وجميع النحويين الموثوق بعلمهم؛ وكذلك تقول: " أزيد في الدار؟ " ; فالألف مفتوحة؛ وليس في الحروف المبتدأة مما هو على حرف حرف مكسور؛ إلا الباء؛ ولام الأمر؛ وحدهما؛ وإنما كسرتا للعلة التي ذكرنا ، وكذلك لام الإضافة ، والفتح أصلها؛ وأما لام " كي " ؛ في قولك: " جئت لتقوم يا هذا " ، فهي لام الإضافة التي في قولك: " المال ، وأبي عمرو بن العلاء لزيد " ، وإنما نصبت " تقوم " ؛ بإضمار " أن " ؛ أو " كي " ؛ التي في معنى " أن " ، فالمعنى: " جئت لقيامك " ؛ وما قلناه في اشتقاق " اسم " ؛ قول لا نعلم أحدا فسره قبلنا. [ ص: 43 ] وأما قولك: " ليضرب زيد عمرا " ، فإنما كسرت اللام ليفرق بينها وبين لام التوكيد ، ولا يبالى بشبهها بلام الجر؛ لأن لام الجر لا تقع في الأفعال ، وتقع لام التوكيد في الأفعال ، ألا ترى أنك لو قلت: " لتضرب " ؛ وأنت تأمر؛ لأشبه لام التوكيد إذا قلت: " إنك لتضرب " ؟ فهذا جملة ما في الحروف التي على حرف واحد؛ فأما اسم الله - عز وجل - فالألف فيه ألف وصل ، وأكره أن أذكر جميع ما قال النحويون في اسم الله؛ أعني قولنا " الله " ؛ تنزيها لله - عز وجل. وقوله - عز وجل -: الرحمن الرحيم ؛ هذه الصفات لله - عز وجل - ، معناه فيما ذكر : ذو الرحمة؛ ولا يجوز أن يقال " الرحمن " ؛ إلا لله ، وإنما كان ذلك لأن بناء " فعلان " ؛ من أبنية ما يبالغ في وصفه ، ألا ترى أنك إذا قلت: " غضبان " ؛ فمعناه: الممتلئ غضبا؟ ف " رحمن " : الذي وسعت رحمته كل شيء؛ فلا يجوز أن يقال لغير الله " رحمن " ؛ وخفضت هذه الصفات لأنها ثناء على الله - عز وجل - فكان إعرابها إعراب اسمه ، ولو قلت - في غير القرآن -: " بسم الله الكريم " ؛ و " الكريم " ، و " الحمد لله رب العالمين " ، و " رب العالمين " ؛ جاز ذلك ، فمن نصب " رب العالمين " ؛ فإنما ينصب [ ص: 44 ] لأنه ثناء على الله ، كأنه لما قال: " الحمد لله " ؛ استدل بهذا اللفظ أنه ذاكر الله ، فقوله: " رب العالمين " ؛ كأنه قال: " أذكر رب العالمين " ، وإذا قال: " رب العالمين " ؛ فهو على قولك: " هو رب العالمين " ؛ قال الشاعر: أبو عبيدة
وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم ... إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا ... والقائلين لمن دار نخليها
فيجوز أن ينصب " الظاعنين " ؛ على ضربين: على أنه تابع " نميرا " ، وعلى الذم ، كأنه قال: " أذكر الظاعنين " ، ولك أن ترفع؛ تريد: " هم الظاعنون " ، وكذلك لك في " القائلين " ؛ النصب؛ والرفع ، ولك أن ترفعهما جميعا ، ولك أن تنصبهما جميعا ، ولك أن ترفع الأول وتنصب الثاني ، ولك أن تنصب الأول وترفع الثاني؛ لا خلاف بين النحويين فيما وصفنا.