"كم" في موضع نصب بأهلكنا فنادوا قال : فنادوا في غير نداء. قال قتادة : ومعناه على قوله في غير نداء ينجي، كما قال أبو جعفر : نادوا بالتوبة وليس حين توبة ولا ينفع العمل، وهذا تفسير من الحسن لقوله جل وعز: الحسن ولات حين مناص [قال ليس حين. فأما إسرائيل فيروي عن عن أبي إسحاق التميمي عن "ولات حين مناص" قال: ليس بحين نزو ولا فرار، قال: ضبط القوم جميعا. قال ابن عباس : وأصله من ناص ينوص إذا تأخر، ويقال: ناص ينوص إذا تقدم. وأما "ولات حين" فقد تكلم النحويون فيه وفي الوقوف عليه، وكثر فيه أبو جعفر في "كتاب القراءات" وكل ما [ ص: 451 ] جاء به فيه إلا يسيرا مردود. قال أبو عبيد القاسم بن سلام : لات مشبهة بليس، والاسم فيها مضمر أي ليست أحيانا حين مناص، وحكي أن من سيبويه العرب من يرفع بها فيقول "ولات حين مناص" وحكي أن الرفع قليل، ويكون الخبر محذوفا كما كان الاسم محذوفا في النصب أي "ولات حين مناص لنا. والوقوف عليها عند سيبويه ، وهو قول والفراء أبي الحسن بن كيسان وأبي إسحاق، ولات بالتاء ثم تبتدئ حين مناص. قال : والقول كما قال أبو الحسن بن كيسان ؛ لأنه شبهها بليس فكما تقول ليست تقول: لات. والوقوف عليها عند سيبويه بالهاء ولاه، وهو قول الكسائي ، كما حكى لنا عنه محمد بن يزيد علي بن سليمان ، وحكي عنه أن الحجة في ذلك أنها "لا" دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال: ثمة وربة. وأما فقال: اختلف العلماء فيها فقال بعضهم: لات ثم تبتدئ فتقول: حين ثم لم يذكر عن العلماء غير هذا القول وكلامه يوجب غير هذا ثم ذكر احتجاجهم بأنها في المصاحف كلها كذا ثم قال: وهذه حجة لولا أن ثم حججا تردها ثم ذكر حججا لا يصح منها شيء، وسنذكرها إن شاء الله تعالى، ونبين ما يردها. قال: والوقوف عندي بغير تاء ثم تبتدئ بحين مناص ثم ذكر الحجج فقال: إحداهن أنا لم نجد في كلام العرب لات إنما هي "لا". قال أبو عبيد : لو لم يكن في هذا من الرد إلا اجتماع المصاحف على ما أنكره فكيف وقد روى خلاف ما قال جميع النحويين المذكورين من البصريين والكوفيين، فقال أبو جعفر : "لات" مشبهة بليس، وقال سيبويه عن الفراء : أحسبه أنه سأل الكسائي أبا السمال فقال: كيف تقف على ولات؟ فوقف عليها [ ص: 452 ] بالهاء. قال : والحجة الثانية أن تفسير أبو عبيد يدل على ذلك؛ لأن ابن عباس قال: ليس حين نزو ولا فرار. قال ابن عباس : تفسير أبو جعفر يدل على أن الصحيح غير قوله، ولو كان على قوله لقال ابن عباس : ليس تحين مناص ولم يرو هذا أحد. قال ابن عباس : والحجة الثالثة أنا لم نجد أبو عبيد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن وأنشد لأبي وجزة السعدي:
العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان أين المطعم
وأنشد لأبي زبيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد:
نولي قبل يوم بيني جمانا وصلينا كما زعمت تلانا
قال : وإنشاد أهل اللغة جميعا على غير ما قال. قال أبو جعفر . أنشدني الفراء : [ ص: 453 ] المفضل
377- تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا
قال : فأما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فقرأه العلماء باللغة على أربعة أوجه كلها على خلاف ما أنشده، وفي أحدها تقديران. رواه أبو جعفر "العاطفون ولات ما من عاطف"، والرواية الثانية "العاطفون ولات حين تعاطف"، والرواية الثالثة رواها أبو العباس محمد بن يزيد "العاطفونه حين ما من عاطف" جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج، وزعم أنها لبيان الحركة شبهت بهاء التأنيث، والرواية الرابعة هي "العاطفونه حين ما من عاطف" وفي هذه الرواية تقديران: أحدهما، وهو مذهب أبو الحسن بن كيسان إسماعيل بن إسحاق أن الهاء في موضع نصب كما تقول: الضاربون زيدا، فإذا كنيت قلت: الضاربوه، وأجاز الضاربونه في الشعر، فجاء سيبويه إسماعيل بالبيت على مذهب في إجازته مثله. والتقدير الآخر "العاطفونه" على أن الهاء لبيان الحركة، كما تقول: مر بنا المسلمونه، في الوقف ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف كما قرأ أهل سيبويه المدينة ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه وأما البيت الثاني فلا حجة له فيه لأنه يوقف عليه ولات أوان غير أن فيه شيئا مشكلا لأنه روي "ولات أوان" بالخفض، وإنما يقع ما بعد لات مرفوعا ومنصوبا، وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ (ولات حين مناص) بكسر التاء من "لات" والنون من "حين" فإن الثبت عنه أنه قرأ (ولات حين مناص) فبنى لات على الكسر ونصب حين فأما، "ولات أوان" ففيه تقديران: [ ص: 454 ] قال : فيه مضمر أي ولات حين أوان. قال الأخفش : وهذا القول بين الخطأ، والتقدير الآخر عن أبو جعفر ، قال: تقديره: ولات حين أواننا فحذف المضاف إليه فوجب ألا يعرب فكسره لالتقاء الساكنين، وأنشد أبي إسحاق "ولات أوان" بالرفع. محمد بن يزيد
وأما البيت فبيت مولد لا يعرف قائله، ولا يصح به حجة. على أن رواه "كما زعمت الآن"، وقال غيره: المعنى كما زعمت أنت الآن فأسقط الهمزة من أنت والنون. وأما احتجاجه بحديث محمد بن يزيد لما ذكر للرجل مناقب عبد الله بن عمر رضي الله عنه. قال: اذهب بها تلان إلى أصحابك، فلا حجة فيه لأن المحدث إنما يروي هذا على المعنى، والدليل على هذا أن عثمان روى عن مجاهدا عمرو بن عمر هذا الحديث، وقال فيه: اذهب فاجهد جهدك، ورواه آخر اذهب بها الآن معك، فأما احتجاجه بأنه وجدها في الإمام "تحين" فلا حجة فيه لأن معنى الإمام أنه إمام للمصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها، وفي المصاحف كلها ولات. فلو لم يكن في هذا إلا هذا الاحتجاج لكان مقنعا. وجمع مناص مناوص.