[ ص: 136 ] الله نور السماوات والأرض [35]
مبتدأ وخبره. وتقديره الله ذو نور السماوات والأرض مثل "واسأل القرية" مثل نوره كمشكاة فيها مصباح مبتدأ وخبره أيضا، وقد ذكرنا معناه، وقد روي شعر ابن عطية عن كعب في قول الله جل وعز "مثل نوره" قال: نوره محمد صلى الله عليه وسلم. قال : لأن أبو جعفر محمدا صلى الله عليه وسلم في تبيانه للناس بمنزلة النور الذي يضيء لهم. قال كعب: "كمشكاة" "ككوة" فيها مصباح قال: (المصباح) قلب محمد صلى الله عليه وسلم (في زجاجة) قال: (الزجاجة) صدره (كأنها كوكب دري) لصدره ثم رجع إلى المصباح الذي هو في القلب فقال: يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية قال: لم تصبها شمس المشرق ولا شمس المغرب. "شرقية" نعت لزيتونة و"لا" ليست تحول بين النعت والمنعوت "ولا غربية" عطف يكاد زيتها يضيء قال يكاد كعب: محمد صلى الله عليه وسلم يستبين لمن يراه أنه نبي وإن لم ينطق لما جعل عليه صلى الله عليه وسلم من الدلائل، كما يكاد هذا الزيت يضيء ولو لم تمسه نار. وقد قرئ (دري) على أربعة أوجه: قرأ وأهل الحرمين (كأنها كوكب دري) بضم الدال وتشديد الياء إلا أن الحسن قرأ هو سعيد بن المسيب وأبو رجاء العطاردي ونصر بن عاصم (كأنها كوكب دري) بفتح الدال وتشديد الياء، وقرأ وقتادة أبو عمرو (كأنها كوكب درء) بكسر الدال والهمز، وقرأ والكسائي (كأنها كوكب درئ) بضم الدال والهمز. فهذه أربع قراءات. وحكى حمزة أنه يقال: (دري) بكسر الدال وتشديد الياء بغير همز. قال أبو [ ص: 137 ] الفراء جعفر : القراءة الأولى بينة نسب الكوكب إلى الدر فإن قال قائل: فالكوكب نورا من الدر قيل له: إنما المعنى أن هذا الكوكب فضله على الكواكب كفضل الدر على سائر الحب. والقراءة الثانية بهذا المعنى فأبدل من الضمة فتحة لأن النسب باب تغيير. والقراءة الثالثة أبي عمرو ضعفها والكسائي تضعيفا شديدا لأنه تأولها من درات أي دفعت أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق فإن كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب ألا ترى أنه لا يقال: جاءني إنسان من بني أبو عبيد آدم، ولا ينبغي أن يتأول لمثل أبي عمرو رحمهما الله مع محلهما وجلالهما هذا التأويل البعيد، ولكن التأويل لهما على ما روي عن والكسائي أن معناهما في ذلك كوكب مندفع بالنور كما يقال: اندرأ الحريق، أي اندفع وهذا تأويل صحيح لهذه القراءة. وحكى محمد بن يزيد الأخفش سعيد بن مسعدة أنه يقال: درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوءه وعلا. فأما قراءة فأهل اللغة جميعا إلا أقلهم يقولون: هي لحن لا يجوز لأنه ليس في كلام العرب اسم على فعيل، وقد اعترض حمزة في هذا فاحتج أبو عبيد لحمزة فقال: ليس هو فعل إنما هو فعول مثل سبوح أبدل من الواو ياء كما قالوا: عتي. قال : وهذا الاعتراض والاحتجاج من أعظم الغلط وأشده لأن هذا لا يجوز البتة ولو جاز ما قال لقيل في سبوح: سبيح، وهذا لا يقوله أحد. وليس عتي من هذا، والفرق بينهما واضح بين لأنه ليس يخلو عتي من إحدى جهتين: إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه لازما لأن الجمع باب تغيير والواو لا تكون ظرفا في الأسماء وقبلها ضمة، فلما كان قبل هذه ساكن وقبل الساكن ضمة والساكن ليس بحاجز حصين أبدل من الضم كسرة وقلبت الواو ياء، وإن كان عتى واحدا كان [ ص: 138 ] بالواو أولى وكان قبلها لأنها طرف والواو في فعول ليست طرفا ولا يجوز قلبها ومن احتج لحمزة بشيء مشبه قال: قد جاء مريق وهو فعيل، والحق في هذا أن مريقا عجمي، والذي حكى أبو جعفر من كسر الدال جائز على أن تبدل من الضمة كسرة. (يوقد من شجرة مباركة) قرئ على أربعة أوجه: قرأ الفراء الحسن وأبو عبد الرحمن السلمي ومجاهد وأبو جعفر (توقد من شجرة) بفتح الدال يجعله فعلا ماضيا، وقرأ وأبو عمرو بن العلاء شيبة (يوقد من شجرة مباركة) وهاتان القراءتان متقاربتان لأنهما جميعا للمصباح، وهو أشبه بهذا الوصف لأنه الذي يبين ويضيء، وإنما الزجاجة وعاء له، فتوقد فعل ماض من توقد يتوقد ويوقد فعل مستقبل من أوقد يوقد، وقرأ ونافع نصر بن عاصم (توقد) والأصل على قراءته تتوقد وحذف إحدى التاءين لأن الأخرى تدل عليها، وقرأ الكوفيون (توقد) وهاتان القراءتان على تأنيث الزجاجة ولو لم تمسسه نار على تأنيث النار، وزعم أنه لا يعرف إلا هذه القراءة. وحكى أبو عبيد أبو حاتم أن روى عن السدي أبي مالك عن أنه قرأ (ولو لم يمسسه نار) بالياء. قال ابن عباس : التذكير على أنه تأنيث غير حقيقي، وكذا سبيل الموات عنده. محمد بن يزيد