وإني خفت الموالي من ورائي [5]
نصب بخفت وحركت الياء في موضع النصب لخفته وأسكنتها في موضع الرفع والخفض لثقلهما، كما روي عن رضي الله عنه أنه قرأ (خفت الموالي من ورائي) وهذه قراءة شاذة وإنما رواها عثمان كعب مولى سعيد بن العاص.
[ ص: 6 ] عن سعيد عن وهي بعيدة جدا، وقد زعم بعض العلماء أنها لا تجوز. قال: كيف يقول: خفت الموالي من بعد موتي وهو حي؟ والتأويل لها أن لا يعني بقوله: من ورائي من بعد موتي ولكن من ورائي في ذلك الوقت، وهذا أيضا بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفوا في ذلك الوقت وقلوا وقد أخبر الله عز وجل عنهم بما يدل على الكثرة حين قالوا: أيهم يكفل عثمان، مريم وكانت امرأتي عاقرا أي لا تلد كان بها عقرا. والفعل منه عقرت مسموع من العرب، والقياس عقرت. فهب لي من لدنك وليا والمستقبل يهب، والأصل يوهب بكسر الهاء ومن قال: الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو وكما لم تحذف في يوجل وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتح بعد حذفها لأن فيه حرفا من حروف الحلق .
وقرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة يرثني ويرث من آل يعقوب [6]
برفعهما وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي يرثني ويرث من آل يعقوب بالجزم فيهما. قال القراءة الأولى بالرفع أولى في العربية وأحسن، والحجة في ذلك ما قاله أبو جعفر: فإن حجته حسنة. قال المعنى فهب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته لأن الأولياء منهم من لا يرث فقال هب الذي يكون وارثي ورد الجزم؛ لأن معناه إن وهبته لي ورثني، فكيف يخبر الله جل وعز بهذا وهو أعلم به منه؟ وهذه حجة مقتصاة لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة. تقول أطع الله جل وعز يدخلك الجنة والمعنى إن تطعه يدخلك الجنة. فأما معنى "يرثني ويرث من آل يعقوب" فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة قيل: هي وارثة نبوة، [ ص: 7 ] وقيل: هي وراثة حكمة، وقيل: هي وراثة مال. فأما قولهم وراثة نبوة محال؛ لأن النبوة لا تورث، ولو كانت تورث لقال قائل: الناس كلهم ينسبون إلى أبو عبيد نوح صلى الله عليه وسلم وهو نبي مرسل. ووراثة الحكمة والعلم مذهب حسن وفي الحديث: وأما وارثة المال فلا يمتنع وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" فهذا لا حجة فيه؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجميع وقد يؤول هذا بمعنى لا نورث الذي تركناه صدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلف شيئا يورث عنه، وإنما كان الذي له أباحه الله عز وجل إياه في حياته بقوله جل وعز: { "لا نورث ما تركنا صدقة" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول لأن معنى لله جل وعز لسبل الله جل ثناؤه ومن سبل الله تبارك وتعالى ما يكون في مصلحة الرسول صلى الله عليه وسلم ما دام حيا فإن قيل: ففي بعض الروايات ففيه التأويلان جميعا أن يكون ما بمعنى الذي، والآخر لا يورث من كانت هذه حاله. "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة" من آل يعقوب لم ينصرف لأنه أعجمي، وزعم عاصم الجحدري أنهم لو قالوا: هو يعقوب آخر غير يعقوب بن إسحاق لصروفه، وقال: إنهم قالوا أنه غير يعقوب بن إسحاق عليهما السلام.