قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ 88 ] .
فتحداهم النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك ، فعجزوا عنه من جهات إحداها وصف القرآن الذي أعجزهم أن يأتوا بمثله ، وذلك أن الرجل منهم كان يسمع السورة أو الآية الطويلة ، ثم يسمع بعدها سمرا أو حديثا ، فيتباين ما بين ذينك من إعجاز التأليف أنه لا يوجد في كلام أحد من المخلوقين أمر ونهي ووعظ وتنبيه وخبر وتوبيخ وغير ذلك ، ثم يكون كله متألفا . ومن إعجازه أنه لا يتغير ، وليس كلام أحد من [ ص: 440 ] المخلوقين يطول إلا تغير بتناقض أو رداءة . ومن إعجازه الحذف والاختصار والإيجاز ودلالة اللفظ اليسير على المعنى الكثير ، وإن كان في كلام العرب الحذف والاختصار والإيجاز فإن في القرآن من ذلك ما هو معجز ، نحو قوله - جل وعز - : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي إذا كان بينك وبين قوم عهد فخفت منهم وأردت أن تنقض العهد فانبذ إليهم عهدهم ، أو قل قد نبذت إليكم عهدكم ، أي قد رميت به لتكون أنت وهم على سواء في العلم ، فإنك إن لم تفعل ذلك ونقضت عهدهم كانت خيانة ، والله لا يحب الخائنين . فمثل هذا لا يوجد في كلام العرب على دلالة هذه المعاني والفصاحة التي فيه ، ومن إعجاز القرآن ما فيه من علم الغيوب بما لم يكن ، إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما سئل عن شيء من علم الغيب أجاب عنه ، حتى لقد سئل بمكة فقيل له : رجل أخذه إخوته فباعوه ، ثم صار ملكا بعد ذلك ، وكانت اليهود أمرت قريشا بسؤاله عنه ، ووجهوا بذلك إليهم من المدينة إلى مكة ، وليس بمكة أحد قرأ الكتب ، فأنزل الله - جل وعز - سورة يوسف - عليه السلام - ، فيها أكثر ما في التوراة من خبر يوسف - عليه السلام - ، فكانت هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة إحياء عيسى - صلى الله عليه وسلم - الميت الذي أحياه بإذن الله - جل وعز - .