الكلام على الوقف الحسن
وهو الوقف على كلام تم معناه وتعلق بما بعده لفظا ومعنى مع الفائدة، [ ص: 374 ] كأن يكون اللفظ الموقوف عليه موصوفا وما بعده صفة له، أو معطوفا وما بعده معطوف عليه، أو مستثنى منه وما بعده مستثنى، أو بدلا وما بعده مبدل منه، وما إلى ذلك، ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها كالوقف الكافي.
وسمي حسنا لحسن الوقف عليه؛ لأنه أفهم معنى يحسن السكوت عليه، وحكمه أنه يحسن الوقف عليه، وأما الابتداء بما بعده ففيه تفصيل؛ لأنه قد يكون في رؤوس الآي، وقد يكون في غيرها.
فإن كان في غير رؤوس الآي فحكمه أنه يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظا ومعنى، كالوقف على لفظ "الله" من قوله تعالى: الحمد لله [الفاتحة: 2] فإنه كلام تام يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ لأن ما بعده وهو قوله تعالى: رب العالمين [الفاتحة: 2] أو قوله تعالى: فاطر السماوات والأرض [فاطر: 1] صفة للفظ الجلالة في الموضعين، والصفة والموصوف كالشيء الواحد لا يفرق بينهما، والابتداء حينئذ يكون غير حسن، وفوق هذا أصبح اللفظ المبدوء به عاريا عن العوامل اللفظية، والعاري عن العوامل اللفظية هو المبتدأ، وحكمه الرفع بينما صار مخفوضا، إذن فلا بد من وصل الكلمة الموقوف عليها بما بعدها في هذه الحالة وما ماثلها؛ ليكون العامل والمعمول معا، كما هو مقرر.
وإن كان في رؤوس الآي كالوقف على لفظ "العالمين" و"الرحيم" و"العلى" في قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين [الفاتحة: 2] الرحمن الرحيم [الفاتحة: 3] لهم الدرجات العلا [طه: 75] فإنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده؛ لأن الوقف على رؤوس الآي سنة؛ سواء وجد تعلق لفظي أم لم يوجد، وهذا هو المشهور عند [ ص: 375 ] جمهور العلماء، وأهل الأداء، والنصوص عليه متوافرة لوروده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم المؤمنين - رضي الله عنها - أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، ثم يقول: الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ".
قال الحافظ ابن الجزري في النشر عقب ذكره لهذا الحديث: رواه ساكتا عليه، أبو داود ، والترمذي ، وأحمد وغيرهم. وهذا حديث حسن صحيح، وكذلك عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي سنة. وأبو عبيدة
وقال : وهو أحب إلي، واختاره أبو عمرو في شعب الإيمان، وغيره من العلماء. وقالوا: الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها. قالوا: واتباع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته أولى. اهـ منه بلفظه. البيهقي
هذا، ونصوص العلماء في هذا الوقف كثيرة وشهيرة، لا يتحملها هذا المختصر، وكلها تؤيد سنية الوقف على رؤوس الآي، وقد اكتفينا منها بما جاء في النشر.
وقد منع جماعة من العلماء في مثل ما ذكرنا لتعلقها بما بعدها، وحملوا ما في حديث الوقف على رؤوس الآي - رضي الله عنها - على أن ما فعله - صلى الله عليه وسلم - إنما قصد به بيان الفواصل لا التعبد، وعلى ذلك فلا يكون الوقف على رؤوس الآي سنة عندهم؛ إذ لا يسن إلا ما فعله - صلى الله عليه وسلم – تعبدا. أم سلمة
ورده غير واحد من العلماء، منهم العلامة المتولي بقوله في الروض النضير: "إن من المنصوص المقرر أن "كان إذا" تفيد التكرر، وظاهر أن الإعلام يحصل بمرة، ويبلغ الشاهد منهم الغائب، فليكن الباقي تعبدا، وليس كله للإعلام حتى يعترض على هؤلاء الأعلام". اهـ منه بلفظه.
وهناك ردود أخرى تركنا ذكرها هنا؛ رغبة في الاختصار.
قال الحافظ ابن الجزري في النشر: وقد يكون الوقف حسنا على تقدير، وكافيا [ ص: 376 ] على آخر، وتاما على غيرهما، نحو قوله تعالى: هدى للمتقين [البقرة: 2] يجوز أن يكون حسنا إذا جعل الذين يؤمنون بالغيب [البقرة: 3] نعتا للمتقين، وأن يكون كافيا إذا جعل الذين يؤمنون بالغيب [البقرة: 3] رفعا، بمعنى هم الذين يؤمنون بالغيب، أو نصبا بتقدير أعني الذين، وأن يكون تاما إذا جعل الذين يؤمنون بالغيب [البقرة: 3] مبتدأ خبره أولئك على هدى من ربهم [البقرة: 5] اهـ منه بلفظه.
الأصل في الوقف الحسن من السنة المطهرة
والأصل في الوقف الحسن الحديث المتقدم المروي عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقد ذكره أم سلمة الحافظ ابن الجزري في كتابه (التمهيد) بسنده المتصل إليها، ثم قال بعد أن أورده: قالوا: وهذا دليل على جواز القطع على الحسن في الفواصل؛ لأن هذا متعلق بما قبله وما بعده لفظا ومعنى، وهذا القسم يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده إلا في رؤوس الآي؛ فإن ذلك سنة. اهـ منه بلفظه.