في تعريف الوقف وأقسامه
أما تعريف الوقف فهو في اللغة الكف والحبس، وفي الاصطلاح هو عبارة عن قطع الصوت عن آخر الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض عنها، وينبغي معه البسملة في فواتح السور، ويكون على رؤوس الآي وأواسطها، ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما كالوقف على "أن" من ألن نجمع عظامه [القيامة: 3].
وأما أقسام الوقف فثلاثة: اختباري "بالباء الموحدة" واضطراري واختياري "بالياء المثناة تحت" ولكل منها حد يخصه، وحقيقة يتميز بها عما سواه.
أما الوقف الاختباري "بالباء الموحدة" فهو الذي يطلب من القارئ بقصد الامتحان، ومتعلق هذا الوقف الرسم العثماني لبيان المقطوع والموصول والثابت والمحذوف من حروف المد، والمجرور والمربوط من التاءات، ويلحق بهذا الوقف وقف القارئ لإعلام غيره بكيفية الوقف على الكلمة بكونه عالما بها من حيث القطع أو الوصل إلخ، ولهذا سمي اختباريا.
وحكمه الجواز بشرط أن يبتدئ الواقف بما وقف عليه ويصله بما بعده إن صلح الابتداء به، وإلا فيبتدئ بما قبله مما يصلح ابتداء.
وأما الوقف الاضطراري: فهو الذي يعرض للقارئ بسبب ضرورة ألجأته إلى الوقف، كضيق النفس أو العطاس أو العي أو النسيان، وما إلى ذلك، وحينئذ يجوز له الوقف على أي كلمة كانت، وإن لم يتم المعنى، وبعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة يبتدئ منها ويصلها بما بعدها إن صلح البدء بها، وإلا فيبتدئ بما قبلها بما يصلح البدء به، كما في الوقف الاختباري "بالموحدة".
[ ص: 369 ] وسمي اضطراريا للأسباب المذكورة آنفا.
وأما الوقف الاختياري: "بالياء المثناة تحت" فهو الذي يقصده القارئ باختياره من غير عروض سبب من الأسباب المتقدمة في الوقفين الاختباري "بالموحدة" والاضطراري، وقد يبتدأ بما بعد الكلمة الموقوف عليها وقد لا يبتدأ بأن توصل بما بعدها، كما سنوضحه بعد في الوقف الحسن.
وهذا الوقف هو المقصود بالذكر هنا، وينقسم إلى أربعة أقسام: تام، وكاف، وحسن، وقبيح.
فإن أفادت الكلمة الموقوف عليها معنى تاما يحسن السكوت عليه كان الوقف تاما أو كافيا أو حسنا، وإن لم تفد معنى يحسن السكوت عليه كان الوقف قبيحا، ويجب على الواقف حينئذ البدء على الفور بما قبل الكلمة الموقوف عليها، ووصلها بما بعدها إلى أن يصل إلى كلام تام يحسن السكوت عليه، كما سنذكره بعد.
ويشترط للمعنى التام الذي يحسن السكوت عليه أن يكون الكلام مشتملا على ركني الجملة من المسند والمسند إليه، وبهذا يكون الكلام تاما، ولتمامه حينئذ أحوال ثلاثة، وذلك لأنه إما أن يكون غير متعلق بما بعده لا لفظا ولا معنى، وإما أن يكون متعلقا بما بعده معنى لا لفظا، وإما أن يكون متعلقا بما بعده لفظا ومعنى مع الفائدة التي بها يحسن السكوت عليه.
فالأول: هو الوقف التام.
والثاني: هو الوقف الكافي.
وحكمهما جواز الوقف عليهما والابتداء بما بعدهما.
والثالث: هو الوقف الحسن، وحكمه جواز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظا ومعنى، إلا إذا كان الابتداء برأس آية فإنه يجوز حينئذ؛ لأن الوقف على رؤوس الآي سنة مطلقا، كما سيأتي بيانه عند تفصيل الكلام على الوقف الحسن.
وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى أقسام الوقف الاختياري وحكمها مع التأكيد على معرفة الوقف والابتداء بقوله رحمه الله تعالى:
وبعد تجويدك للحروف لا بد من معرفة الوقوف
[ ص: 370 ]
والابتدا وهي تقسم إذن ثلاثة تام وكاف وحسن
وهي لما تم فإن لم يوجد تعلق أو كان معنى فابتدي
فالتام فالكافي ولفظا فامنعن إلا رؤوس الآي جوز فالحسن
وغير ما تم قبيح وله يوقف مضطرا ويبدأ قبله
وفيما يلي تفصيل الكلام على كل من الوقف التام والكافي والحسن والقبيح مع الأمثلة للجميع، والأصل فيها من السنة، فنقول وبالله التوفيق:
الكلام على الوقف التام
وهو الوقف على كلام تم معناه، وليس متعلقا بما بعده لا لفظا ولا معنى، وأكثر ما يكون هذا الوقف في رؤوس الآي وانتهاء القصص كالوقف على قوله تعالى: مالك يوم الدين [الفاتحة: 4] والابتداء بقوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5] وكالوقف على نحو: وأولئك هم المفلحون [البقرة: 5] والابتداء بقوله: إن الذين كفروا [البقرة: 6] ونحو الوقف على قوله تعالى: إن العاقبة للمتقين [هود: 49] والابتداء بقوله سبحانه: وإلى عاد أخاهم هودا [هود: 50] وذلك لأن لفظ "المفلحون" تمام الآيات المتعلقة بالمؤمنين وما بعده منفصل عنه متعلق بأحوال الكافرين، وكذلك لفظ "للمتقين" تمام الآيات المتعلقة بقصة سيدنا نوح، وما بعده منفصل عنه ابتداء قصة سيدنا هود، على نبينا سيدنا محمد وعليهما الصلاة والسلام.
وقد يكون في وسط الآي، كالوقف على لفظ "جاءني" في قوله تعالى: لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني [الفرقان: 29] فهذا تمام حكاية قول الظالم، وتمام [ ص: 371 ] الفاصلة من قول الله تعالى: وكان الشيطان للإنسان خذولا [الفرقان: 29].
وقد يكون بعد تمام الآية بكلمة، كالوقف على لفظ "كذلك" "وبالليل" "وزخرفا" من قوله تعالى: حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " كذلك " [الكهف: 90 - 91] وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل [الصافات: 137 - 138] ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا [الزخرف: 34 - 35] فإن تمام الآية في كل "سترا" و"مصبحين" و"يتكئون" وتمام الكلام لفظ "كذلك" "وبالليل" "وزخرفا".
ويكون في أواخر السور وهو ظاهر.
قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "وقد يتفاضل التام في التمام نحو: مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 4 - 5] كلاهما تام، إلا أن الأول أتم من الثاني لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول" اهـ.
وسمي تاما لتمام لفظه وانقطاع ما بعده عنه في اللفظ والمعنى.
وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده؛ لما تقدم في وجه تسميته بالتام.
هذا، والمراد بالتعلق المعنوي أن يتعلق المتقدم بالمتأخر من جهة المعنى لا من جهة الإعراب، والمراد بالتعلق اللفظي أن يتعلق المتقدم بالمتأخر من حيث الإعراب، كأن يكون موصوفا للمتأخر أو يكون المتأخر معطوفا على المتقدم أو مضافا إليه أو خبرا له، وما إلى ذلك، ويلزم من التعلق اللفظي التعلق المعنوي.
الأصل في الوقف التام من السنة المطهرة
الأصل في الوقف التام ما ذكره الحافظ ابن الجزري في كتابه (التمهيد في علم التجويد) بسنده المتصل إلىعبد الرحمن بن أبي بكرة قال - أي ابن أبي بكرة - : جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل : [ ص: 372 ] استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، وفي رواية أخرى: ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة اهـ. إن
قال : هذا تعليم الوقف التام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أبو عمرو جبريل - عليه السلام - إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر العقاب. وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة أو الثواب. اهـ منه بلفظه.
الكلام على الوقف الكافي
وهو الوقف على كلام تم معناه وتعلق بما بعده معنى لا لفظا، ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها كالوقف على نحو قوله تعالى: ومما رزقناهم ينفقون [البقرة: 3] وبالآخرة هم يوقنون [البقرة: 4] أم لم تنذرهم لا يؤمنون [البقرة: 6] إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة: 30] فكل هذا كلام تام مفهوم، وما بعده مستغن عما قبله في اللفظ، وإن اتصل في المعنى.
قال الحافظ ابن الجزري في النشر: "وقد يتفاضل - أي الوقف الكافي - في الكفاية كتفاضل التام، نحو: في قلوبهم مرض [البقرة: 10] كاف فزادهم الله مرضا [البقرة: 10] أكفى منه بما كانوا يكذبون [البقرة: 10] أكفى منهما. اهـ منه بلفظه.
[ ص: 373 ] وحكمه أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده كالوقف التام.
وسمي كافيا للاكتفاء به عما بعده لعدم تعلقه به من جهة اللفظ، وإن كان متعلقا به من جهة المعنى.
الأصل في الوقف الكافي من السنة المطهرة
الأصل في الوقف الكافي ما ذكره الحافظ ابن الجزري في كتابه (التمهيد في علم التجويد) بسنده المتصل إلى ، وبسند أبي عمرو الداني إلى الداني - رضي الله عنه - قال - أي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه - : " ابن مسعود فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال: فرأيته وعيناه تذرفان دموعا، فقال لي: حسبك" اهـ. قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأ علي، فقلت له: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتحت سورة النساء، فلما بلغت
قال : فهذا دليل جواز القطع على الوقف الكافي؛ لأن شهيدا ليس من التام، وهو متعلق بما بعده معنى؛ لأن المعنى: فكيف يكون حالهم إذا كان هذا؟ (يومئذ يود الذين كفروا) فما بعده متعلق بما قبله، والتمام "حديثا" لأنه انقضاء القصة، وهو آخر الآية الثانية. الداني
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع عليه دونه مع تقارب ما بينهما، فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الكافي. اهـ منه بلفظه.