للمد اللازم الحرفي سواء أكان مخففا أم مثقلا مواضع في التنزيل يوجد بها، وحروف مخصوصة به لا يتعداها.
أما مواضعه: ففي فواتح السور التي افتتحت بحروف التهجي خاصة، مثل يس [يس: 1] ص [ص: 1] ولا يكون في وسط السور ولا في آخرها، سواء افتتحت بحروف التهجي أم لم تفتتح، بخلاف المد اللازم الكلمي فإنه يوجد في فواتح السور كأول سورة الحاقة والصافات، كما يوجد في وسطها نحو الطامة [النازعات: 34] وفي آخرها نحو: ولا الضالين [الفاتحة: 7].
وأما حروفه الخاصة به - أي بالمد اللازم الحرفي - فثمانية، جمعها العلامة الجمزوري في تحفته في قوله: "كم عسل نقص" وهي الكاف والميم والعين والسين واللام والنون والقاف والصاد، وجمعها غيره في قوله: "نقص عسلكم" أو "سنقص علمك" وهذه العبارات كلها سواء.
وإليك الأمثلة لكل حرف من هذه الأحرف الثمانية، ومواضعه في التنزيل، ونوعه مثقلا كان أو مخففا، حسب ترتيب عبارة العلامة الجمزوري .
أما الكاف فوقعت في موضع واحد، وهو فاتحة سورة مريم في قوله تعالى: كهيعص [مريم: 1] والمد فيها من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق.
وأما الميم فوقعت في خمس كلمات في سبعة عشر موضعا.
أما الكلمات الخمس فهي في قوله تعالى: " الم " " المص " " المر " " طسم " " حم " وأما مواضعها السبعة عشر:
فالكلمة الأولى: " الم " وقعت في ستة مواضع، وهي فاتحة سورة البقرة، وآل عمران ، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة.
[ ص: 344 ] والكلمة الثانية: المص وقعت في موضع واحد، وهو فاتحة سورة الأعراف.
والكلمة الثالثة: المر وقعت في موضع واحد، وهو فاتحة سورة الرعد.
والكلمة الرابعة: " طسم " وقعت في موضعين، وهما فاتحة سورتي الشعراء والقصص.
والكلمة الخامسة: " حم " وقعت في سبعة مواضع على التوالي، وهي الحواميم السبع، التي أولها سورة غافر وآخرها سورة الأحقاف، ومد الميم في تلك المواضع السبعة عشر من المد اللازم الحرفي المخفف بالإجماع.
وأما العين: فوقعت في موضعين، وهما قوله سبحانه: كهيعص فاتحة سورة مريم، و حم عسق فاتحة سورة الشورى، وفي مد العين هنا خلاف بالنسبة لمقداره، فقال بعضهم: تمد مدا متوسطا بقدر أربع حركات، وقال البعض الآخر: تمد مدا مشبعا على غرار المد اللازم، والوجهان صحيحان مقروء بهما للقراء العشرة، لا فرق بين حفص وغيره، غير أن الإشباع هو الأفضل والمقدم في الأداء إن قرئ بالوجهين معا، وإن قرئ بأحد الوجهين فالاقتصار على الإشباع، وقد اختاره غير واحد من أئمتنا كالإمام عاصم ، الشاطبي ، وابن بري والجمزوري، وخلق غيرهم.
وإذا قرئ بالإشباع فالمد من قبيل المد اللازم الحرفي المخفف عند الجميع.
وإذا قرئ بالتوسط فالمد من قبيل مد اللين الآتي ذكره.
وأما السين: فوقعت في خمسة مواضع:
أولها وثانيها: قوله تعالى: " طسم " فاتحة سورتي الشعراء والقصص.
وثالثها: قوله تعالى: طس تلك فاتحة سورة النمل.
[ ص: 345 ] ورابعها: قوله تعالى: يس فاتحة سورة يس.
وخامسها: قوله سبحانه: حم عسق فاتحة سورة الشورى.
ومد السين في فاتحة سورتي النمل والشورى من المد اللازم الحرفي المخفف بالإجماع، ومدها في فاتحة سورة الشعراء والقصص ويس من المد اللازم الحرفي المثقل عند من أدغمها في الميم والواو، ومن المخفف عند من أظهرها.
وبالنسبة لحفص عن فمن المثقل في الشعراء والقصص؛ لأنه ضمن المدغمين، ومن المخفف في يس إذا قرئ له من طريق الشاطبية، وطريقها الإظهار، وإذا قرئ بالإدغام في أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر فمن قبيل المد اللازم الحرفي المثقل. عاصم
أما إذا وقف على كلمة "يس" - وهو جائز - فالمد من قبيل اللازم المخفف بالإجماع، فتأمل.
وأما اللام فوقعت في أربع كلمات، في ثلاثة عشر موضعا، أما الكلمات الأربع فهي: " الم " " المص " " المر " " الر " .
فالكلمة الأولى: " الم " وقعت في ستة مواضع، وهي: فاتحة سورة البقرة، وآل عمران ، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة.
والكلمة الثانية: المص وقعت في موضع واحد، وهو فاتحة سورة الأعراف.
والكلمة الثالثة: المر وقعت في موضع واحد، وهو فاتحة سورة الرعد.
والكلمة الرابعة: " الر " وقعت في خمسة مواضع، وهي: فاتحة سورة سيدنا يونس ، وسيدنا هود ، وسيدنا يوسف ، وسيدنا إبراهيم - على نبينا سيدنا محمد وعليهم وعلى سائر النبيين عموما الصلاة والسلام - والموضع الخامس فاتحة سورة الحجر.
ومد اللام في " الر " في مواضعه الخمسة من اللازم الحرفي المخفف، ومدها فيما سواها من اللازم الحرفي المثقل، وهذا وذاك متفق عليه بين عامة القراء.
وأما النون: فوقعت في موضع واحد، وهو قوله تعالى: ن والقلم فاتحة [ ص: 346 ] سورة القلم، والمد فيها من قبيل المد اللازم المثقل عند من أدغمها في واو والقلم [القلم: 2] ومن قبيل المخفف عند من أظهرها عندها.
وبالنسبة لحفص عن فمن المخفف؛ لأنه من المظهرين إذا قرئ له من طريق الشاطبية طريق العامة، وإذا قرئ له بالإدغام في أحد الوجهين عنه من طريق الطيبة فالمد من قبيل اللازم الحرفي المثقل؛ لأنه صار حينئذ من المدغمين، فتأمل. عاصم
هذا، والقول باللازم الحرفي المخفف هنا وكذلك المثقل مشروط بوصل ن [القلم: 1] بواو والقلم [القلم: 1] أما إذا وقف على "ن" - وهو جائز - فالمد من قبيل اللازم الحرفي المخفف بالإجماع.
وأما القاف: فوقعت في موضعين:
أولهما: قوله تعالى: حم عسق فاتحة سورة الشورى.
وثانيهما: قوله تعالى: ق والقرآن المجيد فاتحة سورة "ق" والمد في الموضعين من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق.
وأما الصاد: فوقعت في ثلاثة مواضع:
الأول: في قوله تعالى: المص فاتحة سورة الأعراف.
والثاني: في قوله جل شأنه: كهيعص فاتحة سورة سيدتنا مريم.
والثالث: في قوله عز من قائل: ص والقرآن ذي الذكر فاتحة سورة ص، ومد الصاد في فاتحة سورة الأعراف وكذلك في فاتحة سورة ص من المد اللازم الحرفي المخفف بإجماع الأئمة العشرة، ومدها في فاتحة سورة سيدتنا مريم من المد اللازم الحرفي المثقل عند من أدغم الدال من "صاد" في "الذال" من "ذكر" بعدها، ومن المخفف عند من أظهرها عندها، وبالنسبة لحفص عن فهو من اللازم الحرفي المخفف بالاتفاق؛ لأنه ضمن المظهرين: عاصم
هذا، والقول بالمد اللازم الحرفي المثقل هنا وكذلك المخفف شرطه وصل كهيعص [مريم: 1] بكلمة "ذكر" بعدها.
أما إذا وقف على كهيعص [مريم: 1] - وهو جائز - فالمد من اللازم الحرفي المخفف بإجماع القراء العشرة، والله أعلم.
تنبيه: علم مما تقدم في شروط المد اللازم الحرفي بنوعيه أن يكون حرف [ ص: 347 ] المد والسكون الأصلي في حرف واحدا في الخط، وثلاثة أحرف في اللفظ، أوسطها حرف مد، نحو ق [ق: 1] و ن [القلم: 1] فخرج بذلك شيئان:
الشيء الأول: إذا كان الحرف واحدا في الخط لكنه حرفان في اللفظ، وثاني الحرفين حرف مد وليس بعده ساكن نحو الطاء والهاء من طه [طه: 1] - فالمد فيه ليس من المد اللازم لعدم وجود الساكن الأصلي بعد حرف المد، كما هو شرط اللازم - كما مر - وإنما هو من قبيل المد الطبيعي الحرفي، وحروفه خمسة لا يتعداها، وجمعها بعضهم في قوله: "حي طهر" وهي الحاء والياء والطاء والهاء والراء، وهذه الأحرف لا توجد إلا في فواتح السور، وقد تكون مع المد اللازم الحرفي نحو: يس [يس: 1] وقد تكون بمفردها.
فالحاء من قوله تعالى: " حم " في سورها السبع المتقدمة، التي أولها سورة غافر وآخرها سورة الأحقاف.
والياء من قوله تعالى: كهيعص [مريم: 1] وقوله سبحانه: يس [يس: 1].
والطاء من قوله تعالى: طه [طه: 1] و " طسم " [الشعراء: 1، القصص: 1] و طس [النمل: 1].
والهاء من قوله تعالى: كهيعص [مريم: 1] وقوله سبحانه: طه [طه: 1].
والراء من قوله تعالى: " الر " في السور الخمس التي تقدمت غير مرة، ومن قوله سبحانه: المر فاتحة الرعد، وليس غير هذه الأحرف في التنزيل.
وسمي طبيعيا حرفيا لوجود حرف المد الذي ليس بعده همز ولا سكون في حرف، وهذا أحد قسمي الطبيعي.
والثاني المد الطبيعي الكلمي، وقد تقدم الكلام [ ص: 348 ] عليهما في صدر الباب، فراجعهما إن شئت، والله الموفق.
الشيء الثاني: إذا كان الحرف واحدا في الخط وثلاثة أحرف في اللفظ، ثالثها ساكن، وليس الوسط حرف مد - فلا يمد هذا الحرف أصلا؛ لعدم وجود حرف المد في الوسط، ووجد ذلك في حرف واحد فقط وهو الألف من نحو "الم" وليس غيره في حروف الهجاء، فتأمل.
فائدة: علم مما تقدم أن جملة الحروف الواقعة في فواتح السور الموجود فيها المد اللازم الحرفي والطبيعي الحرفي أيضا، وكذلك الألف التي لا تمد أصلا - أربعة عشر حرفا، جمعها صاحب التحفة في قوله: "صله سحيرا من قطعك" وجمعها غيره في قوله: "طرق سمعك النصيحة" وهذه الأحرف الأربعة عشر تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما يمد مدا لازما وهو حروف "كم عسل نقص" باستثناء العين منها لما فيها من الخلاف المتقدم.
الثاني: ما يمد مدا لازما في أحد القولين، وهو حرف العين الواقع في فاتحة سورتي مريم والشورى، وقد تقدم الكلام عليها.
الثالث: ما يمد مدا طبيعيا لعدم وجود ساكن بعد حرف المد وهو حروف "حي طهر" وهو المد الطبيعي الحرفي الذي تقدم ذكره قريبا.
الرابع: ما لا يمد أصلا وهو الألف من نحو الم [البقرة: 1] لعدم وجود حرف مد في هجائه - وإن كان ثالثه ساكنا سكونا أصليا - إذ لا تأثير لهذا السكون ما دام لم يسبقه حرف المد، وقد تقدم قريبا التمثيل لهذه الأقسام الأربعة بما فيه الكفاية.
وقد أشار العلامة الجمزوري في تحفته إلى ما تقدم في هذا الفصل بقوله:
واللازم الحرفي أول السور وجوده وفي ثمان انحصر يجمعها حروف كم عسل نقص
وعين ذو وجهين والطول أخص وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف
فمده مدا طبيعيا ألف وذاك أيضا في فواتح السور
في لفظ حي طاهر قد انحصر ويجمع الفواتح الأربع عشر
صله سحيرا من قطعك ذا اشتهر