الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا بأس باستعمال آنية الرصاص والزجاج [ ص: 7 ] والبلور والعقيق ) وقال الشافعي : يكره لأنه في معنى الذهب والفضة في التفاخر به . قلنا : ليس كذلك ; لأنه ما كان من عادتهم التفاخر بغير الذهب والفضة .

قال ( ويجوز الشرب في الإناء المفضض عند أبي حنيفة والركوب على السرج المفضض والجلوس على الكرسي المفضض والسرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة ) ومعناه : يتقي موضع الفم ، وقيل هذا وموضع اليد في الأخذ وفي السرير والسرج موضع الجلوس . وقال أبو يوسف : يكره ذلك ، وقول محمد يروى مع أبي حنيفة ويروى مع أبي يوسف ، وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما ، وكذا إذا جعل ذلك في السيف والمشحذ وحلقة المرأة ، أو جعل المصحف مذهبا أو مفضضا ، وكذا الاختلاف في اللجام والركاب والثفر إذا كان مفضضا ، وكذا الثوب فيه كتابة بذهب أو فضة على هذا ، وهذا الاختلاف فيما يخلص ، فأما التمويه الذي [ ص: 8 ] لا يخلص فلا بأس به بالإجماع . لهما أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره ، كما إذا استعمل موضع الذهب والفضة . ولأبي حنيفة رحمه الله أن ذلك تابع ولا معتبر بالتوابع فلا يكره . كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب ومسمار الذهب في الفص .

التالي السابق


( قوله لهما أن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره ) جمعها في التعليل جريا على رواية كون قول محمد في هذه المسألة مع أبي يوسف ، وإن كان أفرد أبا يوسف في بيان الحكم فيما قبل .

وأما صاحب الكافي فأفرده هاهنا أيضا حيث قال : احتج أبو يوسف بعموم ما ورد من النهي . ورد عليه بعض المتأخرين حيث قال بعد نقل ما في الكافي : قلت ورد النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة كما سبق ، وصدقه على المفضض والمضبب ممنوع . وقال في الحاشية ردا لما في الكافي من احتجاج أبي يوسف . أقول : ليس ذاك بتام ; لأن ما ورد من النهي عن الشرب في إناء الذهب والفضة إن لم يعم المفضض والمضبب عبارة يعمهما دلالة كعمومه للادهان منه ونحوه ، وكعمومه للأكل بملعقة الذهب والفضة والاكتحال بميل الذهب ، وكذا ما أشبه ذلك كالمكحلة والمرآة وغيرهما ، فإن المدار في كلها تناول النهي الوارد المذكور لكل منها دلالة كما صرحوا به .

وعن هذا قال في المحيط البرهاني حجتهما العمومات الواردة بالنهي عن استعمال الذهب والفضة . ومن استعمل إناء كان مستعملا كل جزء منه فكره ، وهذا لأن الحرمة في استعمال الذهب والفضة في الإناء وغيره إنما كانت للتشبه بالأكاسرة والجبابرة . فكل ما كان بهذا المعنى يكره ، بخلاف خاتم الفضة والمنطقة حيث لا يكره ; لأن الرخصة جاءت في ذلك نصا ، أما هاهنا بخلافه ، إلى هنا لفظ المحيط تأمل . وقال الإمام الزيلعي في شرح الكنز : لأبي يوسف ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال { من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنه يجرجر في بطنه نار جهنم } رواه الدارقطني انتهى . ورد عليه أيضا ذلك البعض حيث قال بعد نقل ذلك : قلت لو ثبت هذا كان حجة قاطعة على أبي حنيفة رحمه الله ، لكن لم نجده في روايات البخاري وغيره إلا خاليا عن زيادة " أو إناء فيه شيء من ذلك " وقال في الحاشية : رد لما ذكره الزيلعي من احتجاج أبي يوسف انتهى .

أقول : عدم وجدانه تلك الزيادة فيما رآه من روايات البخاري وغيره لا يدل على عدم وجودها في رواية أخرى لم ير محلها ، وقد بين الإمام الزيلعي طريق إخراج ما ذكره من الحديث حيث قال : رواه الدارقطني ، فكيف يصح أن يجعل ذلك البعض مجرد عدم اطلاعه على ذلك ردا له [ ص: 9 ]

وهو ليس من فرسان ميدان علم الحديث كما لا يخفى




الخدمات العلمية