الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 257 ] فأما nindex.php?page=treesubj&link=15083_20229_15116_15034تقليد الجاهل فصحيح عندنا خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله ، وهو يقول : إن الأمر بالقضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة دون العلم . ولنا أنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره ، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه .
( فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا ) ويحكم بفتوى غيره ( خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ) nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وقولهم رواية عن علمائنا نص nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الأصل ، أن المقلد لا يجوز أن يكون قاضيا ولكن المختار خلافه . قالوا : القضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة بدون العلم . قلنا : يمكنه القضاء بفتوى غيره ( ومقصود القضاء وهو إيصال الحق إلى مستحقه ) ورفع الظلم ( ويحصل به ) فاشتراطه ضائع ، والمراد بالعلم ليس ما يقطع بصوابه بل ما يظنه المجتهد ، فإنه لا قطع في مسائل الفقه ، وإذا قضى بقبول مجتهد فيه فقد قضى بذلك العلم وهو المطلوب ، وكون nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ قال : أجتهد برأيي لا يلزمه اشتراطه ، وإنما لم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ الإجماع لأنه لم يكن حجة في زمنه صلى الله عليه وسلم . وقد قدمنا أيضا عن الغزالي توجيه خلافه فيقلد في هذا الزمان . في بعض نسخ الهداية : الاستدلال على تقليد المقلد بتقليد النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=8عليا اليمن ولم يكن مجتهدا فليس بشيء ، فإنه عليه الصلاة والسلام دعا له بأن يهدي الله قلبه ويثبت لسانه . فإن كان بهذا الدعاء رزق أهلية الاجتهاد فلا إشكال ، وإلا فقد حصل له المقصود من الاجتهاد وهو العلم والسداد ، وهذا غير ثابت في غيره ، وسنذكر سند حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه . واعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=15083_20229_22323_22341ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي فلا يفتي إلا المجتهد ، وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد ، وأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت ، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد nindex.php?page=showalam&ids=11990كأبي حنيفة على جهة الحكاية ، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى ، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي ، وطريق نقله كذلك عن المجتهد أحد أمرين إما أن يكون له فيه سند إليه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي ، نحو كتب nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر عنهم أو المشهور ، وشهد هكذا ذكر الرازي فعلى هذا لو وجدنا بعض نسخ النوادر في زماننا لا يحل عزو ما فيها إلى nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ولا إلى nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لأنها لم تشتهر في عصرنا في ديارنا ولم تتداول . نعم إذا وجد النقل عن النوادر مثلا في كتاب مشهور معروف كالهداية والمبسوط كان ذلك تعويلا على ذلك الكتاب ، [ ص: 257 ] فلو كان حافظا للأقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح لا يقطع بقول منها يفتي به ، بل يحكيها للمستفتي فيختار المستفتي ما يقع في قلبه أنه الأصوب ذكره في بعض الجوامع . وعندي أنه لا يجب عليه حكاية كلها بل يكفيه أن يحكي قولا منها فإن المقلد له أن يقلد أي مجتهد شاء ، فإذا ذكر أحدها فقلده حصل المقصود ، نعم لا يقطع عليه فيقول جواب مسألتك كذا بل يقول قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة حكم هذا كذا ، نعم لو حكى الكل فالأخذ بما يقع في قلبه أنه الأصوب أولى .
والعامي لا عبرة بما يقع في قلبه من صواب الحكم وخطئه ، وعلى هذا إذا استفتى فقيهين : أعني مجتهدين فاختلفا عليه الأولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما . وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه قلبه جاز لأن ميله وعدمه سواء ، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ . وقالوا المنتقل من مذهب إلى مذهب آخر باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزير فبلا اجتهاد وبرهان أولى ، ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد معنى التحري وتحكيم القلب لأن العامي ليس له اجتهاد . ثم حقيقة الانتقال إنما تتحقق في حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به ، وإلا فقوله قلدت nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة فيما أفتى من المسائل مثلا والتزمت العمل به على الإجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به ، لأنه التزم أن [ ص: 258 ] يعمل بقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، فيما يقع له من المسائل التي تتعين في الوقائع ، فإن أرادوا هذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بإلزامه نفسه ذلك قولا أو نية شرعا ، بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما احتاج إليه لقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } والسؤال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة ، وحينئذ إذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عليه عمله به ، والغالب أن مثل هذه إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص وإلا أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه . وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه ، وكان صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته ، والله سبحانه أعلم بالصواب . .