[ ص: 61 ] ( وأما الضرب الثاني وهو الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أو بدلالة الحال ) لأنها غير موضوعة للطلاق بل تحتمله وغيره فلا بد من التعيين أو دلالته . قال ( وهي على ضربين : منها ثلاثة ولا يقع بها إلا واحدة ، وهي قوله : اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة ) أما الأولى فلأنها تحتمل الاعتداد عن النكاح وتحتمل اعتداد نعم الله تعالى ، فإن نوى الأول تعين بنيته فيقتضي طلاقا سابقا والطلاق يعقب الرجعة . [ ص: 62 ] ألفاظ يقع بها الطلاق الرجعي
وأما الثانية فلأنها تستعمل بمعنى الاعتداد لأنه تصريح بما هو المقصود منه فكان بمنزلته وتحتمل الاستبراء ليطلقها ، وأما الثالثة فلأنها تحتمل أن تكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة ، فإذا نواه جعل كأنه قاله ، والطلاق يعقب الرجعة ، ويحتمل غيره وهو أن تكون واحدة عنده أو عند قومه ، ولما احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغيره تحتاج فيه إلى النية ولا تقع إلا واحدة لأن قوله : أنت طالق فيها مقتضى أو مضمر ، ولو كان مظهرا لا تقع بها إلا واحدة ، فإذا كان مضمرا أولى ، وفي قوله واحدة وإن صار المصدر مذكورا لكن التنصيص على الواحدة ينافي نية [ ص: 63 ] الثلاث ، ولا معتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ هو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب .
قال ( وبقية الكنايات إذا نوى بها الطلاق كانت واحدة بائنة ، وإن نوى ثلاثا كانت ثلاثا ، وإن نوى ثنتين كانت واحدة ، [ ص: 64 ] وهذا مثل قوله : أنت بائن وبتة وبتلة وحرام وحبلك على غاربك والحقي بأهلك وخلية وبرية ووهبتك لأهلك وسرحتك وفارقتك وأمرك بيدك واختاري وأنت حرة وتقنعي وتخمري واستتري واغربي واخرجي واذهبي وقومي وابتغي الأزواج ) لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلا بد من النية .
قال ( إلا أن يكون في حال مذاكرة الطلاق ) فيقع بها الطلاق في القضاء ، ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن ينويه . قال رضي الله عنه ( سوى بين هذه الألفاظ وقال : ولا يصدق في القضاء إذا كان في حال مذاكرة الطلاق ) [ ص: 65 ] قالوا ( وهذا فيما لا يصلح ردا ) والجملة في ذلك أن الأحوال ثلاثة : حالة مطلقة وهي حالة الرضا ، وحالة مذاكرة الطلاق ، وحالة الغضب .
والكنايات ثلاثة أقسام : ما يصلح جوابا وردا ، وما يصلح جوابا لا ردا ، وما يصلح جوابا وسبا وشتيمة . ففي حالة الرضا لا يكون شيء منها طلاقا إلا بالنية ، فالقول قوله في إنكار النية لما قلنا ، وفي حالة مذاكرة الطلاق لا يصدق فيما يصلح جوابا ، ولا يصلح ردا في القضاء مثل قوله خلية برية بائن بتة حرام اعتدي أمرك بيدك اختاري ; لأن الظاهر أن مراده الطلاق عند سؤال الطلاق ، ويصدق فيما يصلح جوابا وردا مثل قوله : اذهبي اخرجي قومي تقنعي تخمري [ ص: 66 ] وما يجري هذا المجرى لأنه يحتمل الرد وهو الأدنى فحمل عليه .
وفي حالة الغضب يصدق في جميع ذلك لاحتمال الرد والسب ، إلا فيما يصلح للطلاق ولا يصلح للرد والشتم كقوله : اعتدي واختاري وأمرك بيدك فإنه لا يصدق فيها لأن الغضب يدل على إرادة الطلاق . وعن في قوله : لا ملك لي عليك ولا سبيل لي عليك وخليت سبيلك وفارقتك ، أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السب . أبي يوسف